وَقَوْلُ المُصَنِّفِ (أَمْسِكْ) مِنْ غَيْرِ تفصيلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الأَمرُ لِلوُجُوبِ أَوْ للاَستحبَابِ وَالنَّهْيِ لِلتحريمِ أَوِ الكرَاهيةِ ـ غَيْرُ مستقيمٌ، وَاستشهَادُهُ بِمَا هو ضعيفٌ، فِي نَظَرِ أَكثرِ الأَصحَابِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ.

وذَكَرَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي تَاريخِه: أَنَّ رَجُلاً رأَى الشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيَّ يَتَوَضَّأُ علَى دِجْلَةَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ أَكثرَ مِنْ ثَلاَثٍ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ فقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: لَو صَحَّتْ لِيَ الثّلاَثُ لَمْ أَزِدْ.

وحَكَى الشَّارِحُ عِبَارَةَ المُصَنِّفِ: أَغْسِلُ ثَالثةً أَم رَابعةً، وهو تعبيرٌ غيرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لأَنَّهُ فِي هذَا المثَالِ لاَ يأَتِي بغسلةٍ أُخْرَى قَطْعًا، وَالذي فِي نُسْخَتِي أَيَغْسِلُ ثَالثةً أَمْ رَابعةً، وهي عبَارةٌ صحيحةٌ، أَيْ: يَشُكُّ هَلْ غسلتينِ مَرَّتَينِ فَيَكُونُ التي يَغْسِلُهَا (ثَالثةً أَمْ لاَ فَيَكُونُ يغسلُهَا) رَابعةً.

وقَالَ الشَّارِحُ: وإِنَّمَا اقتصرَ المُصَنِّفُ علَى هذه الأَحوَالِ الثّلاَثةِ؛ لأَنَّهَا قُطْبُ العِلْمِ، وعَلَيْهَا يَدُورُ رحَى العَمَلِ، وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ الأَئمةِ أَنَّهُ رأَى فِي ابتدَاءِ أَمْرِهِ فِي المنَامِ أَنَّهُ حَضَرَ الجَامِعَ فوجَدَ مُتَصَدِّرًا فَجَلَسَ لِيَقْرَأَ عَلَيْهِ، فقَالَ: أَنتَ تَقْرَأُ عَلَيَّ، وَقَدْ عَلَّمَكَ اللَّهُ المَسَائِلَ الثّلاَثَ؟ (فَانْتَبَهَ، وأَتَى مُعَبِّرًا، فقَالَ: اذْهَبْ فَسَتَصِيرُ أَعْلَمَ أَهْلِ زمَانِكِ؛ فَإِنَّ المَسَائِلَ الثَّلاَثَ) التي أَشَارَ إِلَيْهَا أَمَّهَاتُ العِلْمِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الحَلاَلُ/ (262/ب/م) بَيِّنٌ، وَالحرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ)). انْتَهَى.

ص: وَكُلٌّ وَاقِعٍ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تعَالَى وإِرَادَتِهِ وهو خَالِقُ كَسْبِ الْعَبْدِ قَدَّرَ لَهُ قُدْرَةً هي استطَاعَتُهٌ تَصْلُحُ لِلْكَسْبِ لاَ للإِبدَاعِ؛ فَاللَّهُ خَالقٌ غَيْرُ مُكْتَسِبٍ وَالعبدُ مُكْتَسِبٌ غَيْرُ خَالِقٍ.

ش: كُلٌّ مِنَ الخيرِ وَالشّرِّ وَاقِعٌ بِقدرةِ اللَّهِ وإِرَادتِهِ، وفِي صحيحِ مُسْلِمٍ عَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015