الصّحيحينِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ قَالَ: ((أَتَانِي جِبْرِيلُ فقَالَ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لاَ يُشْرِكُ بَاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ)) قُلْتُ: وإِنْ زَنَا وإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: ((وإِنْ زَنَا وَإِنْ سَرَقَ)).
فذكَرَ كبيرتينِ إِحْدَاهُمَا: تتعلَّقُ بحقِّ اللَّهِ تعَالَى وهي الزِّنَا، وَالأُخْرَى تتعلَّقُ بحقِّ العبَادِ وهي السّرقةُ، وفِي هذَا ردٌّ صريحٌ علَى قَوْلِ المُعْتَزِلَةِ: إِنَّ عذَابَ مرتكِبِ الكبيرةِ الفَاسقِ مؤبَّدٌ كَالكَافرٍ، وأَخَرْجُوه بِالفسقِ عَنِ الإِيمَانِ، ولم يدخُلْوه فِي الكُفْرِ، وقَالُوا بِالمنزلةِ بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ، وَقَدْ تَنَاظَرَ فِي هذه المَسْأَلَةِ أَبُو عمرِو بْنِ العلاَءِ مَعَ عمرِو بْنِ عُبَيْدٍ المُعْتَزِلِيِّ، فقَالَ أَبُو عمرٍو: الخُلْفُ فِي الوعدِ قبيحٌ، وفِي الوعيدِ كَرَمٌ، وهو مِنْ مستحسناتِ العُقُولِ، وَاستشهَدَ بقولِ الشَّاعرِ:
وإِنِّي إِذَا مَا أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ ... لَمُخْلِفُ إِيْعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي.
ولم يَسْتَحْسِنْ بعضُهم هذَا، وقَالَ: خبرُ الصَّادقِ لاَ يخلِفُ، لاَ فِي وَعْدٍ ولاَ فِي وَعِيدٍ، وتَخْلُفُ العقوبةُ بِالعفوِ مِنْ قبيلِ تخصيصِ العمومِ، وذلك شَائعٌ فِي الأَخبَارِ كَالإِنشَاءِ، ويقَالُ فِي تقريرِهِ: هذه العقوبةُ جزَاؤُه وإِنْ جُوزِيَ.
وقَالَ الإِبيَاريُّ فِي شرحِ (البُرْهَان): مَنَعَ أَكْثَرُ المُتَكَلِّمِينَ العفوَ فِي الوعيدِ، وقَالُوا: إِذَا كَانَتِ الصّيغةُ عَامَّةً ولم يُعَذِّبْ تَبَيَّنَّا التّخصيصَ وَالتخصيصُ،