لِقيَامِ الدَّلِيلِ العَقْلِيِّ علَى قِدَمِ الكلاَمِ ولِئَلاَّ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ القرآنُ مخلوقًا، وهو موضعُ كلاَمِ الأَشْعَرِيِّ، مَعَ أَنَّهُ لاَ يُسَوِّغُ إِطلاَقَ ذَلِكَ؛ لِمُنَافَاتِه الحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ، وإِنْ كَانَ حقيقةً عقليّةً.
وجَمَعَ بِذَلِكَ بَيْنَ الأَدلَّةِ، ولهذَا كَانَ قَوْلُ المُصَنِّفِ: (علَى الحقيقةِ) لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِمَا قبلَه بَلْ بمَا بعدَه، وهو قَوْلُه: (مكتوبٌ إِلَى آخِرِهِ) أَيْ: إِنَّ إِطلاَقَه علَى ذَلِكَ حقيقةً، أَيْ: شرعيةً، وَبَيْنَ مرَادِه بِقَوْلِهِ: لاَ المجَازِ؛ فَإِنَّهُ الذي قَابلَ الحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ أَو اللُّغَوِيّةَ فَيُعْلَمَ بِنَفِْيه أَنَّ المُرَادَ أَحَدُهُمَا، ولو كَانَ المُرَادُ الحَقِيقَةَ العَقْلِيَّةَ لَمْ يُؤَكَّدْ لِقولِه: (لاَ المجَازِ) لأَنَّ الحَقِيقَةَ العَقْلِيَّةَ لاَ يُقَالَ لِمُقَابلِهَا: مَجَازٌ، بَلْ قَدْ يَكُونُ حقيقةً أَيضًا بِاعْتِبَارِ اللّغةِ أَو الشَّرْعِ أَو العُرْفِ.
وحَاصِلُ هذَا أَنَّ إِطلاَقَ الكلاَمِ علَى النّفسيِّ القديمِ فَقَطْ حقيقةً عقليّةً، وإِطلاَقَه أَيضًا علَى المكتوبِ وَالمحفوظِ وَالمقروءِ حقيقةً شرعيةً ولغويًّة وَلَيْسَ حقيقةً عقليّةً، فلو قَالَ: ويُطْلَقُ حقيقةٌ شرعيّةٌ علَى مَا هو مكتوبٌ فِي المصَاحفِ إِلَى آخِرِهِ ـ لكَانَ أَقَرَبَ إِلَى الفَهْمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ص: يثبُتُ علَى الطَّاعةِ ويعَاقِبُ إِلَّا أَنْ يغفِرَ غَيَرَ الشَّرْكِ علَى المعصيَةِ، وَلَهُ إِثَابةٌ العَاصي وتعذيبُ المطيعِ وإِيلاَمُ الدَّوَابِ وَالأَطفَالِ، ويستحيلُ وَصْفَه بِالظُّلْمِ.
ش: معنَى الثّوَابِ إِيصَالُ النَّفْعِ إِلَى المكلِّفِ علَى طريقِ الجزَاءِ/ (185/ب/د) ومنه/ (232/ب/م) قَوْلُه تعَالَى: {فَأَثَابَهُمْ اللَّهُ بِمَا قَالُوا} أَي جزَاهم، وَالإِثَابةُ علَى الطَّاعةِ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا، لكنهَا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ فَضْلٌّ، وعندَ المُعْتَزِلَةِ وجوبٌ.
ومعنَى العقَابِ: إِيصَالُ الأَلمِ إِلَى المُكَلَّفِ علَى طريقِ الجزَاءِ وهو مُتَحَتِّمٌ فِي الشِّرْكِ، ومُتَوَقِّفٌ فِي غَيْرِهِ مِنَ المعَاصي علَى انْتِفَاءِ العفوِ، قَالَ اللَّهُ تعَالَى:
{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ َبِهِ ويَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وفِي