بيَانٌ لاَ رَفْعَ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يكنْ فِي جُمْلَةِ مَا انْدَرَجَ فِي اللّفظِ، وإِنْ كَانَ خَاصًا لَمْ يُتَصَوَّرِ العفوُ وإِلاَّ لاَ يُقْلَبُ العِلْمُ جَهْلًا انْتَهَى.
ولو قَدَّمَ المُصَنِّفُ قَوْله: (علَى المَعْصِيَةِ) علَى قَوْلِه: (إِلاَّ أَنْ يَغْفِرَ غَيْرَ الشِّرْكِ) لكَانَ أَحسنَ.
وله تعَالَى أَنْ يُثِيبَ العَاصي، ويُعَذِّبَ المُطِيعَ، لأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي/ (233/أَ/م) مُلْكِهِ، إِنْ أَثَابَ فَبِفَضْلِهِ، وإِنْ عَاقَبَ فَبِعَدْلِهِ.
قَالَ أَصحَابُنَا: وَلَيْسَتْ المَعْصِيةُ عِلَّةَ العقَابِ، وَالطَاعةُ عِلَّةَ الثّوَابِ، إِنَّمَا هو أَمَارتَانِ عليهمَا، وأَنكَرَ ذَلِكَ المُعْتَزِلَةُ بنَاءً علَى أَصلِهم فِي التّقبيحِ العَقْليِّ، فَيؤدِّي إِلَى الظُّلْمِ وهو نَقْصٌ مُحَالٌ علَى اللَّهِ تعَالَى، وقَالَ أَصحَابُنَا: إِنَّمَا يَلْزَمُ النّقصُ علَى قَوْلِهم، فإِنَّهُم أَوجبُوا عَلَيْهِ تعَالَى حقًا لغيرِه، وَلَوْ وجَبَ عَلَيْهِ حقٌّ لغيرِهِ لكَانَ فِي قيدِه وهو نَقْصٌ.
قَالَ الإِمَامُ فِي (الرسَالةِ النِّظَامِيَّةِ): وممَا يَقْطَعُ مَادَّةَ خلاَفِهم أَنَّ طَاعةَ العبَادِ لاَ تفِي بِالنِّعَمِ المتوَاترةِ عَلَيْهِم النَّاجزةِ، فَكَيْفَ/ (188/، أَ/د) يَحْكَمُ العَقْلُ بَاستحقَاقِ ثَوَابٍ علَى عَمَلٍ وَقَعَ عِوَضًا عَنْ نَعِيمٍ أُوتِيَهُ العبدُ فِي الدُّنيَا).
وَاحتجَّ الشَّيْخُ عزُّ الدّينِ فِي (القوَاعدِ) بمَا وَرَدَ فِي الحديثِ: ((إِنَّ اللَّهَ تعَالَى يَخْلُقُ فِي النَّارِ أَقوَامًا)).
قَالَ: وكذلك لاَ استبعَادَ فِي إِثَابةٍ مَنْ لَمْ يُطِعْ، ففِي الحديثِ الصّحيحِ: ((إِنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ يُنْشِئُ فِي الجنَّةِ أَقوَامًا)) وكذلك الحُكْمُ فِي الحورِ العينِ وأَطفَالِ المسلمينِ مِمَّنَّ يَتَفَضَّلُ عَلَيْهِمُ مِنْ غَيْرِ إِثَابةٍ علَى عَمَلٍ سَابِقٍ، وَلَيْسَتْ الرّبوبِيَّةُ مقيَّدَةً بمصَالحِ العبوديَّةِ، ونحنُ نشَاهدُ مَا يُبْتَلَى بِهِ مِنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ مِنَ الأَطفَالِ وَالدوَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وذلك عَدْلُ مَنْ يتصرَّفُ فِي مُلْكِهِ كَيْفَ يريدُ.
وَقَوْلُ المُصَنِّفِ: (ويستحيلُ وَصْفُهُ بِالظُّلْمِ) جوَابٌ عَن سؤَالٍ مُقَدَّرٍ، فإِنَّه قَد يُخَيَّلُ مِنْ تعذيبِ المطيعِ وإِيلاَمِ الأَطفَالِ أَنَّ ذَلِكَ ظُلْمٌ، فَبَيَّنَ المُصَنِّفُ