قَالُوا: ولِلَّه تعَالَى فِي كلِّ وَاقعةٍ حُكْمٌ سَابِقٌ علَى اجتهَادِ المُجْتَهِدِينَ، ثُمَّ اختلَفُوَا، فقَالَ بعضُهم: لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ، وإِنَّمَا هو كَدَفِِينٍ يصيبُه مَنْ شَاءه اللَّهُ تعَالَى، ويُخْطِئُه مَنْ شَاءه.

وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَيْهِ أَمَارةً أَي: دَلِيلٌ ظنيٌّ، وَبِهِ قَالَ الأَئمَّةُ الأَربعةُ، وأَكثرُ الفقهَاءِ وكثيرٍ مِنَ المتكلِّمِينَ، وعلَى هذَا فقَالَ بعضُهم: لَمْ يُكَلَّفُ المُجْتَهِدُ بإِصَابتِه لخفَائِهِ وغموضِه، وَالأَصَحُّ أَنَّهُ مكلَّفٌ بإِصَابتِه، فإِنْ أَخطأَه لَمْ يأْثَمْ لعذرِهِ بَلْ يُؤْجَرُ لقولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ((إِذَا اجْتَهَدَ الحَاكِمُ فأَصَابَ فله أَجرَانِ، وإِنْ أَخطأَ فلَه أَجْرٌ)) لكن هَلْ يُؤْجَرُ المخطئُ علَى القصدِ للصوَابِ وَالاجْتِهَادِ أَو علَى القصدِ فقطْ؟ فِيهِ وجهَانِ لأَصحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ.

وَالثَّانِي مِنْهُمَا هو اختيَارُ المُزَنِيُّ، ولاَ يُؤْجَرُ/ (176/ب/د) علَى نفسِ الخطأِ، وقَالَ بعضُهم: بَلْ يأَثَمُ المُخْطِئُ.

الحَالة الثَّانِيةُ: أَنْ يَكُونَ فِي تِلْكَ الجزئيَّةِ نصٌّ قَاطعٌ فَالمصيبُ فِيهَا وَاحدٌ بِالاتِّفَاقِ، وإِن دقَّ مسلكُ ذَلِكَ القَاطعِ، وَقِيلَ: علَى الخِلاَفِ فِي التي قبلَهَا وهو غريبٌ.

ثم إِذَا أَخطَأَ ذَلِكَ القَاطِعُ، فإِن لَمْ يُقَصِّرْ فِي الاجْتِهَادِ بَلْ بِذَلِكَ المجهودِ لكن لَمْ يقَعْ عَلَيْهِ ففِي إِثْمِهِ قولاَن: أَصحُّهُمَا: لاَ يأْثَمُ، وإِنْ قَصَّرَ فِي الاجْتِهَادِ فهو آثِمٌ بِالاتِّفَاقِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ تصويبِ كلِّ مُجْتَهِدٍ ـ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عزُّ الدّينِ ـ أَنْ لاَ يَكُونَ مَذْهَبُ الخَصْمِ مستندًا إِلَى دَلِيلٍ ينقضُ الحُكْمَ المستنِدَ إِليه.

ص: لاَ يُنْقَضُ الحُكْمُ فِي الاجتهَاديَاتِ وفَاقًا، فإِنْ خَالَفَ نصًّا أَو ظَاهرًا جَلِيًا، ولو قِيَاسًا أَو حَكَمَ بخلاَفِ اجتهَادِه، أَو بخلاَفِ نصِّ إِمَامِهِ غَيْرَ مُقَلِّدٍ غيرَه/ (218/ب/م) حَيْثُ يَجُوزُ نَقْضُ، ولو تَزَوَّجَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجتهَادُهُ فَالأَصحُّ تحريمُهَا، وكذَا المُقَلِّدُ يتغيَّرُ اجتهَادُ إِمَامِه وَمَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015