ولكنَّ مَا تعلَّقَ بتصديقِ الرّسلِ وإِثبَاتِ حدوثِ العَالمِ فَالمخطئُ فِيه غَيْرُ معذورٍ، وأَمَّا مَا تعلَّقَ بِالقدرِ وَالجَبْرِ وإِثبَاتِ الجهةِ ونفِيهَا فَالمخطئُ فِيهِ معذورٌ، ولو كَانَ مبطلاً فِي اعتقَادِه بعدَ الموَافقةِ فِي تصديقِ الرّسلِ وَالتزَامِ المِلَّةِ.

القِسْمُ الثَّانِي: المَسَائِلُ غَيْرُ العَقْلِيَّةِ وهي التي ليسَتْ أَصلاً من أَصولِ الشَّرْعِ المُجْمَعِ عَلَيْهِ، ولهَا حَالتَانِ. إِحْدَاهُمَا: أَنْ لاَ يَكُونَ فِيهَا نصٌّ قَاطعٌ وفِيهَا مَذْهَبَانِ:

أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الحسنِ الأَشعريُّ وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وأَبُو يُوسَفَ ومحمَّدُ بْنُ الحسنِ وَابْنُ سُرَيْجٍ: كلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ.

ثم اختلَفَ هؤلاَءِ فقَالَ الأَوَّلاَنِ ـ وهمَا الشَّيْخُ وَالقَاضِي: حُكْمُ اللَّهِ تعَالَى تَابعٌ لظنِّ المُجْتَهِدِ فمَا ظنُّه فهو حُكْمُ اللَّهِ فِي حقِّهِ، وقَالَ الثّلاَثةُ البَاقونَ ـ وهم أَبُو يُوسُفَ، ومحمد، وَابْنُ سُرَيْجٍ فِي أَصحِّ الرّوَايَاتِ/ (218/أَ/م) عَنْهُ: إِن فِي كلِّ حَادثةٍ لو حَكَمَ اللَّهَ لَمْ يَحْكُمْ إِلا بِهِ، وتُسَمَّى هذه المقَالةُ الأَشبهَ.

قَال فِي (المنخولِ) وهذَا حُكْمٌ علَى الغيبِ، ومِنْ ثَمَّ؛ أَي: ولأَجلِ قَوْلِ هؤلاَءِ: إِنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِي الحَادثةِ مَغِيبٌ عنَا ـ قَالُوا: فِيمنِ اجْتَهَدَ وَلَمْ يُصَادِفْ ذَلِكَ الحُكْمَ: إِنَّهُ مُصِيبٌ فِي اجتهَادِهِ مُخْطِئٌ فِي الحُكْمِ، وربَّمَا عبَّرُوا عن ذَلِكَ بِقَوْلِهِم: مصيبٌ ابتدَاءً مخطئٌ انتهَاءٌ.

المذهبُ الثَّانِي ـ وَبِهِ قَالَ الجُمْهُورُ، وهو الصّحيحُ ـ أَنَّ المُصِيبَ وَاحِدٌ، وقَالَ ابنُ السّمعَانيِّ فِي (القوَاطعِ) إِنَّهُ ظَاهرُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، فمَنْ حكَى عَنْهُ غَيْرُه فقد أَخطَأَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015