عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ حِفْظُ جَمِيعِ القرآنِ، ومَا نقَلَه المُصَنِّفُ عَنْ وَالدِهِ الشَّيْخِ الإِمَامِ السُّبْكِيِّ لَيْسَ مخَالفًا لمَا تقدَّمَ، ولكنَّهُ تمهيدٌ لَهُ وتقريرٌ.

وَقَوْلُهُ: (مَلَكَةٌ له) أَي: هيئةٌ رَاسِخَةٌ، وهذَا قَد يَقْتَضِي أَنَّهُ لاَ يُكْتَفَى بِالتوسُّطِ فِي ذَلِكَ، وإِحَاطتُه بمعظمِ قوَاعدِ الشرعِ، ومُمَارَسَتُهَا بِالحيثيَّةِ المذكورةِ نَاشئٌ عَن كَوْنِ هذه العلومِ مَلَكَةً له، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: وَيُعْتَبَرُ (/174/د) قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ: لإِيقَاعِ الاجْتِهَادِ لاَ لِكَوْنِهِ صِفَةً فِيهِ ـ كَوْنُهُ خبيرًا بموَاقِعِ الإِجمَاعِ، كي لاَ يُخَرِّقَهُ، وَالنَاسخِ وَالمنسوخِ، وأَسبَابِ النّزولِ، وشرطِ المتوَاترِ وَالآحَادِ، وَالصَّحِيحِ وَالضعيفِ، وحَالِ الرّوَاةِ وسِيَرِ الصّحَابةِ، ويكفِي فِي زمَانِنَا الرّجوعُ إِلَى أَئمَّةِ ذلك.

ش: هذه الأَوصَافُ المذكورةُ فِي هذه الجُمْلَةِ لاَ تُعْتَبَرُ لِتَوَقُّفِ صدقِ اسمِ الاجْتِهَادِ عَلَيْهَا، وإِنَّمَا تُعْتَبرُ لإِيقَاعِ الاجْتِهَادِ كَمَا حَكَاهُ المُصَنِّفُ عَن وَالدِه رَحِمَهُ اللَّهُ.

قَالَ الشَّارِحُ: وفِي كلاَمِ الغَزَالِيِّ مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ، فإِنَّه مَيَّزَ هذه عمَا قبلَهَا، وجعَلَهَا مُتَمِّمَةً للاَجتهَادِ ولم يُدْرِجْهَا فِي شُرُوطِهِ الأَصْليَّةِ.

أَحَدُهَا: أَن يَعْرِفَ موَاقِعَ الإِجمَاعِ حتَّى لاَ يَخْرِقَهُ ولاَ يُفْتِي بخلاَفِهِ، ولاَ يُشْتَرَطُ حِفْظُهَا بَلْ يَكْفِي مَعْرِفَتُهُ بأَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ لَيْسَ مُخَالِفًا للإِجمَاعِ، إِمَّا بأَنْ يُعْلَمَ مُوَافَقَتُه لعَالِمٍ، أَو يَظُنَّ أَن تِلْكَ الوَاقعةَ حَادِثَةٌ لَمْ يَسْبِقْ لأَهلِ الأَعصَارِ المتقدِّمَةِ فِيهَا كلاَمٌ.

ثَانِيهَا: معرفةُ النَّاسخِ وَالمنسوخِ؛ لِئَلَّا يَعْمَلَ بِالمنسوخِ ولاَ يُشْتَرَطُ حفظُ جميعِه، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَعْلَمَ فِي كلِّ مَا يُفْتِي بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015