الاستنبَاطِ.
وَاعتبرَ المُصَنِّفُ أَنْ يَكُونَ فِي معرفةِ هذه الأُمُورِ فِي درجةٍ متوسِّطَةٍ أَي لاَ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الأَقلِّ، ولاَ يحتَاجُ إِلَى بلوغِه الغَايةِ فِي ذَلِكَ، بَلْ يَكُونُ بحيثُ يميِّزُ العبَارةَ الصّحيحةَ عَنِ الفَاسدةِ وَالرَاجحةِ عَنِ المرجوحةِ.
وقَالَ الأَستَاذُ: أَمَّا الحروفُ التي تختلِفُ عَلَيْهَا المعَاني فِيجِبُ فِيهَا التبحُّرُ وَالكمَالُ، ويُكْتَفَى بِالتوسُّطِ فِيمَا عدَاهَا، ويجِبُ فِي معرفةِ اللّغةِ الزّيَادةِ علَى التّوسُّطِ حتَّى لاَ يشذَّ عَنْهُ المستعمَلُ فِي الكلاَمِ فِي غَالبِ اللّغةِ، وأَمَّا أَصولُ الفَقْهِ فكلَّمَا كَانَ أَكمَلُ فِي معرفتِه كَانَ أَتمَّ فِي اجتهَادِه.
السَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ عَارفًا بِالكتَابِ وَالسُّنَّةِ، ولاَ يُعْتَبَرُ العِلْمُ بجميعِهَا، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَعْرِفَ مِنَ الكتَابِ آيَاتِ الأَحكَامِ، وهو معنَى قَوْلِ المُصَنِّفِ: (مُتَعَلِّقُ الأَحكَامِ) وهو بفتحِ اللاَّمِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنهَا مِائَةُ آيةٍ، وَقِيلَ: خمسُمِائةِ آيةٍ، وهو مُشْكِلٌ لأَنَّ تَمْيِيزَ آيَاتِ الأَحكَامِ مِنْ غيرِهَا مُتَوَقِّفٌ علَى معرفةِ الجميعِ، ولاَ يُمْكِنُ المُجْتَهِدُ تقليدَ غَيْرِه فِي تَمَيُّزِهَا، وَالقرَائحُ تتفَاوتُ فِي اسْتِنْبَاطِ الأَحكَامِ.
وكذَا لاَ يُشْتَرَطُ معرفةُ جَمِيعِ السُّنَّةِ بَلْ يَكْفِيه معرفةُ مَا تعلَّقَ مِنْهَا بِالأَحكَامِ.
قَالَ الغَزَالِيُّ: ويكفِيه أَنْ يَكُونَ عندَه أَصلٌّ مصحِّحٌ يجمَعُ أَحَاديثَ الأَحكَامِ/ (215/أَ/م) كسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ ومعرفةِ السُّنَنِ للبيهقِيِّ، أَو أَصلُ وقَعَتِ العنَايةُ فِيهِ بِجَمْعِ أَحَاديثِ الأَحكَامِ، ويكتفِي مِنْهُ بمعرفةِ موَاقِعَ كلِّ بَابٍ فَيُرَاجِعُه وقتَ الحَاجةِ.
قَالَ النّوويُّ: وَالتمثيلُ بأَبي دَاوُدَ لاَ يصحُّ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْعِبْ الصّحيحَ مِنْ أَحَاديثِ الأَحكَامِ، ولاَ معظمَه، وكم فِي صحيحِ البخَاريِّ ومسلمٍ من حديثٍ حُكْمِيٍّ لَيْسَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، انْتَهَى.
وفَهِمَ مِنَ التّعبيرِ بِالمعرفةِ أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ حفظُهمَا، وَبِهِ صرَّحَ الإِمَامُ فخرُ الدّينِ، وأَشَارَ إِلَيْهِ المُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (وإِنْ لَمْ يَحْفَظِ المُتُونَ) لكنْ نقَلَ القَيْرَاوَنِيُّ