فقَالَ: يُمْكِنُ أَنْ يقَالَ: مَا صَحَّ مَعَهُ الاستنبَاطُ.
ونقَلَ القُشَيْرِيُّ فِي (المرشدِ) عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لاَ أُنْكِرُ وُرُودَ العَقْلِ فِي اللّغةِ بمعنَى العِلْمِ، ولكن غرضِي أَنْ أُبَيِّنَ العَقْلَ الذي يُرْبَطُ بِهِ التّكليفُ.
الوصفُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ فقيهَ النفسِ، أَي: يَكُونُ الفقهُ لَهُ سَجِيَّةً، وَالمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ قُوَّةُ الفهمِ علَى التّصرُّفِ،/ (214 ب/م) قَالَهُ الأَستَاذ أَبُو إِسْحَاقَ.
قَالَ: ومَنْ كَانَ موصفًا بِالبلاَدةِ وَالعجزِ عَنِ التصرُّفِ فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الاجتهَادِ، وعنِ الغَزَالِيِّ أَنَّهُ قَالَ: (إِذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ الفقيهُ فِي مسأَلةٍ لَمْ يسمعْهَا ككلاَمِه فِي مسأَلةٍ سمعَهَا فَلَيْسَ بفقيهٍ).
ثم حكَى ثلاَثةَ أَقوَالٍ فِي إِنكَارِ القِيَاسِ هَلْ يَقْدَحُ فِي الاجْتِهَادِ أَمْ لاَ؟
أَحَدُهَا: لاَ، وهو مقتضَى كلاَمِ أَصحَابِنَا، حَيْثُ ذكُروا خِلاَفَ الظَّاهِريَّةِ فِي تعَاليقِهِمْ وحَاجُّوهُمْ.
ثَانِيهَا: نَعَمْ، وَبِهِ قَالَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وإِمَامُ الحَرَمَيْنِ.
ثَالِثُهَا: أَنَّهُ لاَ يَقْدَحُ إِنْ أَنكَرَ القِيَاسَ الخفِيَّ فَقَطْ، فإِنْ أَنْكَرَ الجليَّ أَيضًا قَدَحَ ذَلِكَ فِي كَوْنِه مجتهدًا، وهو/ (173/ب/د) ظَاهرُ كلاَمِ ابْنِ الصّلَاحِ وَغَيْرِه، ويترتَّبُ علَى ذَلِكَ أَنَّهُ هَلْ يَقْدَحُ خِلاَفَ الظَّاهِريَّةِ فِي الإِجمَاعِ أَمْ لاَ؟
الوصفُ الرَّابعُ: أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالدليلِ العَقْليِّ وهو البرَاءةُ الأَصْليةُ, وبأَنَّا مكلَّفُونَ بِالتمسُّكِ بِهِ مَا لَمْ يَرِدْ دَلِيلٌ نَاقلٌ عَنْهُ مِنْ نصٍّ أَو إِجمَاعٍ أَو غيرِهمَا، كَذَا شَرَطَهُ الغَزَالِيُّ وَالإِمَامُ فخرُ الدِّينِ.
الخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بلغةِ العربِ وبِالعربيَّةِ، أَي: وهو النحوُ إِعرَابًا، وتصريفًا وبأَصولِ الفقهِ؛ لِيقوَى علَى معرفةِ الأَدلَّةِ، وكيفِيةُ الاستنبَاطِ، وبِالبلاَغةِ، لأَنَّ الكتَابَ وَالسُّنَّةِ فِي غَايةِ البلاَغةِ، فَلاَ بدَّ مِنْ معرفتِهَا، ليتمكَّنَ مِنَ