شَرْطٌ وَبَيْعٌ» وَظَاهِرُهُمَا امْتِنَاعُ كُلِّ شَرْطٍ لَكِنْ فُهِمَ مِنْهُمَا أَنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ تَأْدِيَتُهُ إلَى بَقَاءِ عَلَقَةٍ بَعْدَ الْعَقْدِ قَدْ يَثُورُ بِسَبَبِهَا نِزَاعٌ بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ وَقَدْ يُفْضِي إلَى فَوَاتِ مَقْصُودِ الْعَقْدِ فَحَيْثُ انْتَفَى هَذَا الْمَعْنَى صَحَّ الشَّرْطُ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الشُّرُوطِ نُصُوصٌ بِصِحَّتِهَا وَسَتَأْتِي (وَإِنْ أُزِيلَ) الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ، وَلَوْ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ إذْ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ لَا عِبْرَةَ بِهِ فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِقَوْلِهِمَا أَزَلْنَا الشَّرْطَ فَقَوْلُهُ (بَطَلَا) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَعِنْدَ جَمْعِ الْعَقْدِ وَمَا بَعْدَهُ إلَى هُنَا إلَّا مَا اسْتَثْنَى كَمَا تَقَرَّرَ وَخَرَجَ بِالْمَقْصُودِ أَيْ مَا فِيهِ غَرَضٌ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ فَيَلْغُو فِي نَفْسِهِ وَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا الْهَرِيسَةَ أَوْ لَا يَلْبَسَ إلَّا الْخَزَّ أَوْ الْكَتَّانَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ.
وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ، ثُمَّ قَالَ لَكِنْ فِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ إلْزَامَ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يُصَلِّي النَّوَافِلَ فَسَدَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ قَالَ: وَقَضِيَّتُهُ فَسَادُ الْعَقْدِ فِي مَسْأَلَةِ الْهَرِيسَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ تَصْرِيحًا بِالْبُطْلَانِ وَإِنَّمَا يُوجَدُ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ التَّتِمَّةِ وَهُوَ عَجِيبٌ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَقَالَ وَإِذَا بَاعَهُ الْعَبْدَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِنْ فُلَانٍ أَوْ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَسْتَخْدِمَهُ أَوْ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فَتَلَخَّصَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فِي اشْتِرَاطِ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ الْبُطْلَانُ، وَأَنَّ الرَّافِعِيَّ لَمْ يَطَّلِعْ فِيهِ إلَّا عَلَى كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمَعْدُودِينَ فِي الْمُصَنَّفِينَ لَا فِي أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَقَدْ جَزَمَ بِالصِّحَّةِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ لِكَوْنِ الْقَائِلِ بِهَا اثْنَيْنِ وَبِالْبُطْلَانِ وَاحِدًا عَلَى مَا تَحَصَّلَ لَهُ فِي مَبْسُوطِهِ وَهَذَا أَمْرٌ صَعْبٌ يُورِثُ رِيبَةً فِي الْإِفْتَاءِ بِكَثِيرٍ مِنْ كَلَامِهِ قَالَ وَقَدْ اخْتَارَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَابْنُ الرِّفْعَةِ فِي: لَا يَأْكُلَ إلَّا الْهَرِيسَةَ أَنَّهُ يُقْرَأُ بِتَاءِ الْخِطَابِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا غَرَضَ فِيهِ أَصْلًا بِخِلَافِ مَا إذَا قُرِئَ بِالْيَاءِ آخِرُ الْحُرُوفِ فَقَدْ يُتَخَيَّلُ فِيهِ الْإِفْسَادُ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُ الْعَبْدَ كَالْإِعْتَاقِ وَمَا قَالَاهُ بَعِيدٌ عَنْ السِّيَاقِ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ نَقْلًا كَمَا بَيَّنْته انْتَهَى وَخَرَجَ بِمَا لَا يُوجِبُهُ الْعَقْدُ مَا يُوجِبُهُ كَالْقَبْضِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSخِلَافَهُ أَوَّلَا. (قَوْلُهُ: فَقَالَ وَإِذَا بَاعَهُ إلَخْ) لَا يُقَالُ هَذِهِ الصُّورَةُ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْ النَّصِّ لَمْ تَتَعَيَّنْ لِانْتِفَاءِ الْغَرَضِ، بَلْ بَعْضُهَا الْغَرَضُ فِيهِ ظَاهِرٌ وَبَعْضُهَا الْغَرَضُ فِيهِ قَرِيبٌ وَبَعْضُهَا مُخَالِفٌ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَكَيْفَ يُسْتَنْتَجُ مِنْهَا أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فِي اشْتِرَاطِ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ الْبُطْلَانُ؟ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الصُّورَةُ الْأَخِيرَةُ نَظِيرُ مَا قَالَ الشَّيْخَانِ فِيهِ أَنَّهُ لَا غَرَضَ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ فِيهَا تَقْدِيرًا لِلنَّفَقَةِ، أَوْ اشْتِرَاطَ شَيْءٍ فِيهَا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَنْفَعُ الْعَبْدَ كَالْإِعْتَاقِ) قَدْ يُسْتَشْكَلُ بِأَنَّ شَرْطَ الْإِعْتَاقِ صَحِيحٌ فَكَيْفَ يَقِيسُ بِهِ مَا يُتَخَيَّلُ فِيهِ الْإِفْسَادُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْغَرَضَ تَشْبِيهُهُ بِهِ فِي مُجَرَّدِ كَوْنِهِ نَافِعًا لَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْحُكْمِ لِمَعْنًى آخَرَ؟ .
ـــــــــــــــــــــــــــــQإمَّا أَنْ يَقْتَضِيَهُ مُطْلَقُ الْعَقْدِ كَالْقَبْضِ وَالِانْتِفَاعِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَوْ لَا، الْأَوَّلُ لَا يَضُرُّ وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَصْلَحَةِ الْعَقْدِ كَشَرْطِ الرَّهْنِ أَوْ الْإِشْهَادِ وَالْأَوْصَافِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ الْكِتَابَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْخِيَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ لَا الْأَوَّلُ لَا يُفْسِدُهُ وَيَصِحُّ الشَّرْطُ فِي نَفْسِهِ وَالثَّانِي إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ غَرَضٌ يُورِثُ تَنَازُعًا كَشَرْطِ أَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا كَذَا فَهُوَ لَاغٍ وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ وَالثَّانِي وَهُوَ الْفَاسِدُ الْمُفْسِدُ كَالْأُمُورِ الَّتِي تُنَافِي مُقْتَضَاهُ نَحْوِ عَدَمِ الْقَبْضِ وَالتَّصَرُّفِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْحَاصِلُ أَنَّ الْمُفْسِدَةَ كُلُّ شَرْطٍ مَقْصُودٍ لَا يُوجِبُهُ الْعَقْدُ وَلَيْسَ مِنْ مَصَالِحِهِ. اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ إذَا كَانَ الشَّارِطُ لِعَدَمِ الْقَبْضِ هُوَ الْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ شَرَطَ الزَّوْجُ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ لَا يَطَأُ وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا وَشَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ يُطْعِمُهُ لِلْغَيْرِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لَا إنْ شَرَطَهُ الْبَائِعُ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ يُؤَدِّي إلَى اسْتِمْرَارِ ضَمَانِ الْبَائِعِ هُنَا وَعَدَمِ وُثُوقِهِ بِمِلْكِ الثَّمَنِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَيْهِ وَبِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ فِي الْبَيْعِ وَهُوَ بِالْقَبْضِ فَشَرْطُ عَدَمِهِ مُفْسِدٌ وَلَيْسَ الْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ كَذَلِكَ وَمِثْلُهُ أَكْلُ الْمَبِيعِ فِي صُورَةِ مَا إذَا اشْتَرَى طَعَامًا وَشَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ إلَخْ لِحُصُولِ الْقَبْضِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فِيهِ. (قَوْلُهُ: فِي بَعْضِ الشُّرُوطِ إلَخْ) هُوَ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ أَوْ كَانَ مِنْ مَصَالِحِهِ أَوْ شَرْطًا لِصِحَّتِهِ أَوْ لَا غَرَضَ فِيهِ كَالْقَبْضِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَوْ الْكِتَابَةِ وَالْخِيَاطَةِ أَوْ قَطْعِ الثَّمَرَةِ أَوْ كَوْنِهِ لَا يَأْكُلُ إلَّا كَذَا. (قَوْلُهُ: وَقَدْ اخْتَارَ) قَالَ م ر وَحَجَرٌ: الصَّحِيحُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَوْقِيَّةِ وَالتَّحْتِيَّةِ لِانْتِفَاءِ غَرَضِ الْبَائِعِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ يَدِهِ فِي تَعْيِينِ غِذَائِهِ مَعَ أَنَّهُ يَحْصُلُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ مِنْ إطْعَامِهِ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَأَجَابَ الزَّرْكَشِيُّ عَمَّا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ مَا فِي التَّتِمَّةِ مَحَلُّهُ فِيمَا لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَصْلًا، وَمَسْأَلَتُنَا فِيمَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ فِي الْجُمْلَةِ إذْ نَفَقَةُ الرَّقِيقِ مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ وَقَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَدَاءَهَا مِنْ أَحَدِ الْأَنْوَاعِ الَّتِي تَتَأَدَّى هِيَ بِبَعْضِهَا فَيَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُهَا فَأَشْبَهَ خِصَالَ الْكَفَّارَةِ لَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهَا بِالتَّعْيِينِ قَالَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فِي الْأُمِّ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ كَذَا، وَكَذَا فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى التَّقْدِيرِ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ وَإِلَى أَنَّهُ يَجْمَعُ لَهُ بَيْنَ إدَامَيْنِ أَوْ نَوْعَيْنِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ فَإِذَا شَرَطَ فَقَدْ شَرَطَ مَا لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَأَبْطَلَهُ.