وَإِلَّا فَلَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ سَمٍّ يَقْتُلُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، بِخِلَافِ مَا يَقْتُلُ كَثِيرُهُ لَا قَلِيلُهُ كَالسَّقَمُونْيَا، وَالْأَفْيُونِ، وَلَا بَيْعَ الْحِمَارِ الزَّمِنِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الزَّمِنِ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَرَّبُ بِعِتْقِهِ
. (طَاهِرِ) أَيْ: إنَّمَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ فِي نَافِعٍ طَاهِرٍ (أَوْ) نَجِسٍ (طُهْرُهُ) مُمْكِنٌ (بِالْغَسْلِ) كَثَوْبٍ تَنَجَّسَ بِمَا لَا يَسْتُرُ شَيْئًا مِنْهُ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ كَلْبٍ وَمَيْتَةٍ وَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَنَحْوِهَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ» وَقِيسَ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا، وَلَا بَيْعُ مَا لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، سَوَاءٌ كَانَ يَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ كَجِلْدِ مَيْتَةٍ، أَوْ بِالتَّكَاثُرِ كَمَاءٍ نَجِسٍ قَلِيلٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ: (لَا التَّكَاثُرِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَالْخَمْرِ تَتَخَلَّلَ أَمْ لَمْ يَطْهُرْ بِذَلِكَ كَزَيْتٍ نَجِسٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى نَجَسِ الْعَيْنِ وَلِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْبَيْعُ لَمَا أَمَرَ بِإِرَاقَةِ السَّمْنِ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ كَمَا مَرَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ: إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوهُ، وَإِنْ كَانَ ذَائِبًا فَأَرِيقُوهُ» . وَأَمَّا الْقَزُّ، وَفِي بَاطِنِهِ الدُّودُ الْمَيِّتُ فَهُوَ كَالْحَيَوَانِ فِي بَطْنِهِ النَّجَاسَةُ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ، سَوَاءٌ بَاعَهُ وَزْنًا أَمْ جُزَافًا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَاضِي، وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْهُ، وَعَنْ آخَرِينَ وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ لَا يَجُوزُ وَزْنًا
. (مَقْدُورَ تَسْلِيمٍ) أَيْ إنَّمَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ فِي نَافِعٍ طَاهِرٍ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ حِسًّا وَشَرْعًا لِيُوثَقَ بِحُصُولِ الْعِوَضِ وَلِيَخْرُجَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْغَرَرُ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ مُتَضَادَّيْنِ أَغْلَبُهُمَا أَخْوَفُهُمَا وَقِيلَ مَا انْطَوَتْ عَنَّا عَاقِبَتُهُ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الضَّالِّ لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ حَالًّا، وَلَا يُعْتَبَرُ الْيَأْسُ بَلْ ظُهُورُ التَّعَذُّرِ، وَقَدْ يَصِحُّ مَعَ عَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي قَادِرًا عَلَى التَّسْلِيمِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَغْصُوبِ، أَوْ لِكَوْنِ الْبَيْعِ ضِمْنِيًّا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمِثْلُهُ مَنْ يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي
ـــــــــــــــــــــــــــــSمَا سَيَأْتِي أَنَّ بَيْعَ الْبَعْضِ الْمُعَيَّنِ مِنْ السَّيْفِ وَنَحْوِهِ يَمْتَنِعُ، وَإِنْ كَانَ النَّقْصُ فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ قَدْ يُنَازَعُ فِي هَذَا الْفَرْقِ بِرّ أَقُولُ: يُجَابُ بِأَنَّ النَّقْصَ هُنَا لَيْسَ بِوَاسِطَةِ إحْدَاثِ فِعْلٍ فِي الْبَيْتِ بَلْ بِسَبَبِ انْفِرَادِهِ وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ كَمَا أَجَابُوا بِذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ بَعْضِ الْجِدَارِ فَلْيُرَاجَعْ
(قَوْلُهُ: بِمَا لَا يَسْتُرُ شَيْئًا) أَيْ: أَوْ بِمَا يَسْتُرُ، لَكِنْ بَعْدَ تَقَدُّمِ رُؤْيَةٍ مُعْتَبَرَةٍ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحّ بَيْعُ كَلْبٍ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: إطْلَاقُ الْبَيْعِ فِي هَذَا لَا يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِّهِ أَنَّهُ مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ؛ إذْ الْمُوَافِقُ لِذَلِكَ عَدَمُ تَحَقُّقِ الْبَيْعِ وَأَنْ يُقَالَ: فَلَا يَتَحَقَّقُ الْبَيْعُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَذْكُورَاتِ وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ بَيْعٌ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَكُونُوا تَسَمَّحُوا وَأَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ فِي الْمُحْتَرَزَاتِ: لَا يَصِحُّ بَيْعُ كَذَا أَعَمُّ مِنْ مَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ بَيْعٌ فِي مُقَابَلَتِهَا وَلَا يُوجَدُ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: أَوْ بِالتَّكَاثُرِ، أَوْ بِزَوَالِ التَّغَيُّرِ) كَمَاءٍ كَثِيرٍ تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ حَجَرٌ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ: لَا يَجُوزُ وَزْنًا) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَحُمِلَ عَلَى بَيْعِهِ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُغْتَفَرُ فِي الِاسْتِدَامَةِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) إنْ قُلْت: إنَّ النَّقْصَ هُنَا فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ فَلِمَ بَطَلَ الْبَيْعُ؟ قُلْت: يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي قَرِيبًا أَنَّ بَيْعَ ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ يَنْقُصُ الْمَبِيعُ، أَوْ الْبَاقِي بِقَطْعِهِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ هُوَ السَّبَبُ فِي إضَاعَةِ الْمَالِ وَمَتَى كَانَ كَذَلِكَ كَانَ بَاطِلًا، سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِضَاعَةُ لِلْمَبِيعِ، أَوْ لِغَيْرِهِ فَكَذَلِكَ هُنَا. اهـ. حَجَرٌ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ إلَخْ) أَيْ فَيَجُوزُ بَيْعُ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ خِلَافًا لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ. اهـ. شَرْحُ عب لِحَجَرٍ
(قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ كَلْبٍ) وَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ بِقَدْرِهَا وَيَجِبُ رَفْعُ الْيَدِ عَنْهُ بَعْدَ زَوَالِهَا وَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْخِنْزِيرِ بِحَالٍ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ مَا انْطَوَتْ إلَخْ) سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ أَغْلَبُ خَوْفٍ أَمْ لَا فَشَمَلَ الْمُتَسَاوِيَ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الضَّالِّ) قَالَ حَجَرٌ فِي شَرْحِ عب: مَتَى عَرَفَ الْمُشْتَرِي مَكَانَ الْآبِقَ، أَوْ الضَّالَّ وَعَلِمَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَصِلُ إلَيْهِ وَيَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ بِلَا كُلْفَةٍ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا وَفَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ بَيْنَ الضَّالِّ، وَالْآبِقِ مَمْنُوعٌ. (قَوْلُهُ أَيْضًا: فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الضَّالِّ) مِثْلُهُ الْآبِقُ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ مَعَ صِحَّةِ الْعِتْقِ؛ لِخَبَرِ «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» وَلِعَدَمِ قُدْرَةِ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسَلُّمِهِمْ حَتَّى يُمَلِّكَهُمْ لِغَيْرِهِ. اهـ. شَرْحُ عب لِحَجَرٍ.
(قَوْلُهُ: أَوْ يَكُونُ الْبَيْعُ ضِمْنِيًّا) ؛ إذْ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّسْلِيمُ كَاَلَّذِي بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: إلَّا بِتَعَبٍ شَدِيدٍ) عِبَارَةُ الْإِرْشَادِ مَعَ شَرْحِهِ لِحَجَرٍ مَقْدُورُ تَسْلِيمٍ مِنْ غَيْرِ كَثِيرِ مُؤْنَةٍ، أَوْ كُلْفَةٍ. اهـ. قَالَ فِي حَاشِيَتِهِ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأُولَى بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ، وَالثَّانِيَةَ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَدَنِ، فَأَمَّا كَثِيرُ الْمُؤْنَةِ فَيَنْبَغِي ضَبْطُهُ بِأَنْ يُعَدَّ عُرْفًا أَنَّ بَاذِلَهُ مَغْبُونٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِوَضِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ وَحِينَئِذٍ يُنْظَرُ فِيمَا يَبْذُلُهُ وَمَا تَحَصَّلَ لَهُ فَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ رَابِحًا وَلَمْ يَفُتْ عَلَيْهِ إلَّا شَيْءٌ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ لِذَلِكَ الرِّبْحِ لَمْ يُنْظَرْ لِفَوَاتِ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْبَاعَةَ يَغْلِبُ تَسَامُحُهُمْ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَثُرَ فَإِنَّهُ يُعَدُّ تَحَمُّلُهُ غَبْنًا لَا يُسْمَحُ بِتَحَمُّلِهِ كَالْعَيْبِ وَأَمَّا كَثِيرُ الْكُلْفَةِ فَيَنْبَغِي ضَبْطُهُ بِأَنْ يُقَدَّرَ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَتَكُونَ تِلْكَ الْأُجْرَةُ الْمُقَدَّرَةُ بِمَنْزِلَةِ تِلْكَ الْمُؤْنَةِ الْكَبِيرَةِ فِي ضَابِطِهَا الَّذِي ذَكَرْته وَلَا يُقْتَصَرُ فِي هَذَيْنِ عَلَى مَا هُنَا بَلْ يَجْرِيَانِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ اشْتَرَطُوا فِيهِ انْتِفَاءَهُمَا وَيَقَعُ لَهُمْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ حَيْثُ شُرِطَ انْتِفَاءُ أَحَدِهِمَا شُرِطَ انْتِفَاءُ الْآخَرِ؛ لِمَا عُرِفَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ لِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا مُوجِبٌ لِانْتِفَاءِ الْآخَرِ وَذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ أَنَّ الْعَقْدَ إذَا تَوَقَّفَ عَلَى بَذْلِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَحَدَ ذَيْنَك الْأَمْرَيْنِ كَانَ كَأَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِإِضَاعَةِ مَالٍ لَا يَسْهُلُ تَحَمُّلُهُ غَالِبًا فَاقْتَضَى ذَلِكَ بُطْلَانَهُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّحَمُّلَ غَبْنٌ يُعَدُّ عَارًا عَلَى بَاذِلِهِ وَبِفَرْضِ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ عَارًا هُوَ يُعَدُّ مَعْجُوزًا عَنْ تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ لَمَّا لَمْ تَسْمَحْ بِمَا يَبْذُلُ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْمُؤْنَةِ أَوْ الْكُلْفَةِ