وَإِنَّمَا يَسْتَوْفِي مَنْفَعَتَهَا بِعِوَضٍ، وَقَدْ أَجَرَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَفْسَهُ لِكَافِرٍ فَتَصِحُّ إجَارَةُ مُسْلِمٍ مِنْ كَافِرٍ لِعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ عَلَى عَيْنِهِ، لَكِنْ تُكْرَهُ إجَارَةُ عَيْنِهِ (وَ) دُونَ (الْمُسْتَرْجِعِ) لَهَا (بِالْعَيْبِ، أَوْ إقَالَةٍ) أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْفُسُوخِ فَلَوْ بَاعَ كَافِرٌ مِنْهَا شَيْئًا بِثَوْبٍ مَثَلًا، ثُمَّ ظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ فَلَهُ اسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ يَجْعَلُ الْأَمْرَ كَمَا كَانَ وَلِهَذَا لَا تَثْبُتُ بِهِ الشُّفْعَةُ (وَ) دُونَ (الْمُودَعِ) عِنْدَهُ الْمَذْكُورَاتُ وَدُونَ الْمُسْتَعِيرِ لَهَا كَالْمُسْتَأْجِرِ بَلْ أَوْلَى؛ إذْ لَيْسَ لَهُمَا حَقٌّ لَازِمٌ.
(وَ) دُونَ (وَارِثٍ) لَهَا؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ قَهْرِيٌّ وَيُتَصَوَّرُ مِلْكُ الْكَافِرِ لَهَا حَتَّى تُورَثَ عَنْهُ بِأَنْ يَكْتُبَ الْمُصْحَفَ وَنَحْوَهُ وَيَمْلِكَ كَافِرًا فَيُسْلِمَ، أَوْ مُسْلِمًا بِطَرِيقٍ مِمَّا يَأْتِي ثُمَّ يَمُوتَ عَنْهَا فَيَمْلِكَهَا وَارِثُهُ (وَذِي ارْتِهَانٍ) أَيْ: وَدُونَ الْمُرْتَهِنِ لَهَا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مُجَرَّدُ اسْتِيثَاقٍ، وَلَا يُوضَعُ تَحْتَ يَدِهِ بَلْ عِنْدَ عَدْلٍ (وَأَمَرْ بِأَنْ يُزِيلَ الْمِلْكَ عَنْهُ) أَيْ: وَأَمَرَ الْحَاكِمُ (مَنْ كَفَرَ) بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ عِتْقٍ أَوْ وَقْفٍ، أَوْ غَيْرِهَا؛ دَفْعًا لِلْإِهَانَةِ، وَالْإِذْلَالِ وَقَطْعًا لِسُلْطَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَلَا يُحْكَمُ بِزَوَالِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَتْ الزَّوْجَةُ تَحْتَ كَافِرٍ؛ إذْ مِلْكُ النِّكَاحِ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ فَتَعَيَّنَ الْبُطْلَانُ بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ وَشَمِلَ تَعْبِيرُهُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSتَسَلُّمِ الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ، وَأَمَّا تَسَلُّمُ الْمُسْلِمِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ مَا قِيلَ فِي تَسَلُّمِهِ، إذَا رُهِنَ مِنْهُ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ فِي التَّسَلُّمِ مَعَ الْمِلْكِ إذْلَالًا بِخِلَافِهِ مَعَ مُجَرَّدِ الِاسْتِيثَاقِ وَقَوْلُنَا مَعَ الْمِلْكِ أَيْ: مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَرْجِعِ) هَلْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ قَبْضُ الْمُسْتَرْجِعِ الْمَذْكُورِ كَمَا يَمْتَنِعُ قَبْضُ مَنْ أَسْلَمَ قَبَضَ قَبْضَهُ كَمَا يَأْتِي وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَقْبِضُهُ لَهُ الْقَاضِي كَمَا يَقْبِضُهُ لَهُ فِيمَا يَأْتِي أَوْ لَا؟ وَيُفَرَّقُ بِتَوَقُّفِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ ثُمَّ عَلَى الْقَبْضِ بِخِلَافِهِ هُنَا فِيهِ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ: بِالْعَيْبِ أَوْ إقَالَةٍ) قَالَ النَّاشِرِيُّ: قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: مِثْلُهُ فَوَاتُ شَرْطِ الْفَضِيلَةِ كَالْخِيَاطَةِ، وَالْكِتَابَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَلَوْ قِيلَ يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّهُ لِمَا حَدَثَ فِي يَدِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ الْمُقْتَضِي لِرَفْعِ يَدِهِ وَيَدِ أَمْثَالِهِ مِنْ الْكُفَّارِ لَكَانَ مُتَّجَهًا وَحَاصِلُ مَا فِي الْإِقَالَةِ ثَلَاثَةُ احْتِمَالَاتٍ يُفَرَّقُ فِي الثَّالِثِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَبُ مِنْ الْمُسْلِمِ فَيَجُوزُ، أَوْ مِنْ الْكَافِرِ فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَدُونَ الْمُودَعِ عِنْدَهُ الْمَذْكُورَاتُ إلَخْ) كَالصَّرِيحِ فِي جَوَازِ إيدَاعِ الْمُصْحَفِ عِنْدَ الْكَافِرِ وَإِعَارَتِهِ لَهُ فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَذْكُورَاتِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ مَسُّهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ وَعَلَى هَذَا يَنْتَفِعُ فِي صُورَةِ الْإِعَارَةِ بِنَحْوِ النَّظَرِ فِيهِ هَذَا، وَقَدْ اسْتَشْكَلَ السُّبْكِيُّ إيدَاعَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ جِهَةِ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ سِيَّمَا الصَّغِيرَ قَالَ: وَاَلَّذِي لَا أَشُكُّ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إيدَاعُ الْمُصْحَفِ عِنْدَهُ وَأَفْتَى الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بِمَنْعِ دَفْعِ الْمُصْحَفِ إلَى ذِمِّيٍّ يُجَلِّدُهُ وَقَالَ: لَا يُدْفَعُ نَحْوُ الْمُصْحَفِ إلَى كَافِرٍ لَا يُرْجَى إسْلَامُهُ. اهـ. وَقُوَّةُ الْمَتْنِ تُعْطِي أَنَّ الْعَارِيَّةُ، وَالْوَدِيعَةَ لَا يَخْرُجَانِ عَنْ يَدِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا يُدْفَعُ الْمُصْحَفُ إلَى كَافِرٍ لَا يُرْجَى إسْلَامُهُ شَامِلٌ لِدَفْعِهِ عَارِيَّةً وَدَفْعُهُ وَدِيعَةً وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ تَقْيِيدِ جَوَازِهِمَا بِرَجَاءِ الْإِسْلَامِ يَتَعَيَّنُ فِي الْإِعَارَةِ لِلتَّعَلُّمِ مِنْهُ أَيْ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ، وَوَجِيهٌ فِي الْإِيدَاعِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الشَّارِحِ عَدَمَ التَّقْيِيدِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: بَلْ عِنْدَ عَدْلٍ) وَهَلْ يَقْبِضُهَا، ثُمَّ تُوضَعُ عِنْدَ الْعَدْلِ أَوْ تُسَلَّمُ لِلْعَدْلِ أَوَّلًا؟ احْتِمَالَانِ ذَكَرُهُمَا ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَالثَّانِي هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ أَصَحَّهُمَا. اهـ. وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ فِي الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ وَاسْتِنَابَةُ غَيْرِ الْعَدْلِ فِي قَبْضِهِ أَوَّلًا لَا مَعْنَى لَهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ، فَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَالْقَاضِي قَبَضَ إلَخْ بِقُوَّةِ الْيَدِ، ثُمَّ لِوُجُودِ الْمِلْكِ. (قَوْلُهُ: أَوْ وَقَفَهُ) لَا عَلَى ذِمِّيٍّ كَمَا بَسَطَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ الزَّرْكَشِيّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الْمَجْمُوعِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَيْضًا:) لَكِنْ تُكْرَهُ إجَارَةُ عَيْنِهِ خَرَجَ بِإِجَارَةِ الْعَيْنِ إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ فِيهَا يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُ الْعَمَلِ بِغَيْرِهِ. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ عَنْ الزَّرْكَشِيّ وَظَاهِرٌ أَنْ قَوْلَهُ يُمْكِنُهُ إلَخْ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَحْصِيلِهِ بِغَيْرِهِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ الْإِمْكَانَ يَجْعَلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَبَرِّعِ. اهـ. سم بِهَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يُزِيلَ الْمِلْكَ) أَيْ: فِيمَا فِيهِ مِلْكٌ وَيُؤْمَرَ بِإِزَالَةِ الْيَدِ فِيمَا لَا مِلْكَ فِيهِ كَالرَّهْنِ، الْوَدِيعَةِ، وَالْعَارِيَّةَ