وَكُتُبِ فِقْهٍ فِيهَا آثَارُ السَّلَفِ بَلْ قَالَ السُّبْكِيُّ: الْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ كُتُبُ عِلْمٍ، وَإِنْ خَلَتْ عَنْ الْآثَارِ تَعْظِيمًا لِلْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ قَالَ وَلَدُهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ: وَقَوْلُهُ تَعْظِيمًا لِلْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ يُفِيدُ جَوَازَ بَيْعِ الْكَافِرِ كُتُبَ عُلُومٍ غَيْرِ شَرْعِيَّةٍ وَيَنْبَغِي الْمَنْعُ مِنْ بَيْعِ مَا يَتَعَلَّقُ مِنْهَا بِالشَّرْعِ كَكُتُبِ النَّحْوِ، وَاللُّغَةِ (وَمُسْلِمٍ لَا يُحْكَمَنْ بِعِتْقِهِ مِنْ بَعْدُ) أَيْ: بَعْدَ الشِّرَاءِ، فَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ لَهَا، وَلَوْ بِنِيَابَتِهِ مُسْلِمًا؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِهَانَةِ وَإِذْلَالِ الْمُسْلِمِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَشَمِلَ مَنْ يَشْتَرِي لَهُ الْمَذْكُورَاتِ مَا لَوْ اشْتَرَاهَا كَافِرٌ لِمُسْلِمٍ نِيَابَةً فَيَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ وَيُفَارِقُ مَنْعُ إنَابَةِ الْمُسْلِمِ كَافِرًا فِي قَبُولِ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ بِاخْتِصَاصِ النِّكَاحِ بِالتَّعَبُّدِ لِحُرْمَةِ الْأَبْضَاعِ وَبِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُتَصَوَّرُ نِكَاحُهُ لِمُسْلِمَةٍ، بِخِلَافِ مِلْكِهِ لِمُسْلِمٍ كَمَا سَيَأْتِي.
وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ صِحَّةَ بَيْعِ الْمُرْتَدِّ لِلْكَافِرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ لَهُ الْوَجْهَانِ فِي قَتْلِهِ بِالذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ قَتْلُهُ بِهِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَهُ؛ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ، أَمَّا مَنْ يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ عَلَى مَنْ يَشْتَرِي لَهُ كَأَصْلِهِ وَفَرْعِهِ، وَرَقِيقٍ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ، أَوْ شَهِدَ بِهَا، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، أَوْ قَالَ: لِمَالِكِهِ اعْتِقْهُ عَنِّي بِكَذَا، فَلَا يُعْتَبَرُ إسْلَامُ مَنْ يَشْتَرِي لَهُ لِانْتِفَاءِ إذْلَالِهِ بِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ، بِخِلَافِ شِرَائِهِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَعْقِبُ الْعِتْقَ وَتَعْبِيرُهُ بِقَوْلِهِ: لَا يُحْكَمَنْ بِعِتْقِهِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْحَاوِي بِقَوْلِهِ: لَا يُعْتَقُ؛ إذْ الْمُقِرُّ، وَالشَّاهِدُ قَدْ يَكُونَانِ كَاذِبَيْنِ فَهُوَ لَا يَعْتِقُ وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ ظَاهِرًا (كَالْمُوصَى بِهَا لَهُ) أَيْ: كَالْمُوصَى لَهُ بِالْمَذْكُورَاتِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ إسْلَامُهُ (عَلَى خُلْفٍ) فِي اعْتِبَارِهِ فِي صِحَّةِ بَيْعِهَا، وَالْإِيصَاءِ بِهَا بَلْ وَهِبَتِهَا فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ هَذَا عَنْ قَوْلِهِ (وَمُسْتَوْهِبِهَا) أَيْ: وَكَمُسْتَوْهَبِهَا فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ إسْلَامُهُ، وَالسَّلَمُ فِيهَا كَبَيْعِهَا خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ.
وَبَيْعُ بَعْضِ كُلٍّ مِنْهَا كَبَيْعِ كُلِّهِ وَمُقَابِلُ قَوْلِهِ: مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى خُلْفٍ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إسْلَامُ مَنْ ذُكِرَ فَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَذْكُورَاتِ، وَالْإِيصَاءُ بِهَا وَهِبَتُهَا لِلْكَافِرِ كَالْإِرْثِ بِجَامِعٍ أَنَّ كُلًّا سَبَبٌ لِلْمِلْكِ فَيَمْلِكُهَا، لَكِنْ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهَا، وَفِي مَعْنَى هِبَتِهَا إهْدَاؤُهَا، وَالتَّصَدُّقُ بِهَا (دُونَ الَّذِي اسْتَأْجَرَ) هَا فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إسْلَامُهُ؛ إذْ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهَا التَّسَلُّطُ التَّامُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: وَكُتُبِ فِقْهٍ إلَخْ) يَنْبَغِي الْمَنْعُ أَيْضًا فِي كُتُبِ آثَارِ السَّلَفِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ، وَكُتُبِ عِلْمٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ فِيهِ الْآثَارُ وَقَوْلُهُ: لِآثَارِ السَّلَفِ الْمُرَادُ الْجِنْسُ فَيَدْخُلُ الْوَاحِدُ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي الْمَنْعُ مِنْ بَيْعِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ: وَمُسْلِمٍ إلَخْ) عِبَارَةُ الْحَاوِي وَمُسْلِمٍ لَا يَعْتِقُ بَعْدَهُ قَالَ النَّاشِرِيُّ (تَنْبِيهٌ)
اشْتَرَى كَافِرٌ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ مِنْ أَصْلٍ، أَوْ فَرْعٍ وَطَالَ مَجْلِسُ الْخِيَارِ فَهَذَا لَا يَعْتِقُ بَعْدَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ الْخِيَارَ فِي الْمَجْلِسِ فَهُوَ إنَّمَا يَعْتِقُ بِلُزُومِ الْمِلْكِ فَلَوْ أَتَى الْمُصَنِّفُ بِلَفْظِ يَصِحُّ لِهَذَا لَكَانَ أَوْلَى. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ الْبَعْدِيَّةَ تَشْمَلُ طُولَ الْفَصْلِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: مِنْ بَعْدُ) بِالْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ وَيَجُوزُ جَرُّهُ عَلَى تَقْدِيرِ لَفْظِ الْمُضَافِ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُسَمِّهِ) فِي النَّاشِرِيِّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ سَمَّى الْمُوَكِّلَ، أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ، إذَا نَوَاهُ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ أَوَّلًا لِلْمُوَكِّلِ. اهـ. وَقَوْلُهُ: إذَا نَوَاهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ بِدُونِ نِيَّةٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ شَهِدَ بِهَا) عِبَارَةُ النَّاشِرِيِّ، وَلَوْ أَقَرَّ كَافِرٌ بِحُرِّيَّةِ مُسْلِمٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ، أَوْ أَتَى بِمَا هُوَ صُورَةُ شَهَادَةٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ عَتَقَ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذْ الْمُقِرُّ، وَالشَّاهِدُ قَدْ يَكُونَانِ كَاذِبَيْنِ إلَخْ) أَقُولُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ صِدْقِهِمَا لَا يُصَدَّقُ أَيْضًا أَنَّهُ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، وَالْحُرُّ لَا يَعْتِقُ فَعِبَارَةُ الْحَاوِي لَا تَتَنَاوَلُ ذَلِكَ بِتَقْدِيرِ صِدْقِهِمَا أَيْضًا فَكَيْفَ خَصَّ عَدَمَ تَنَاوُلِهَا بِتَقْدِيرِ الْكَذِبِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ إسْلَامُهُ) يَنْبَغِي عِنْدَ الْمَوْتِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ إلَخْ) (تَنْبِيهٌ)
أَمَةٌ كَافِرَةٌ لِلْكَافِرِ حَمَلَتْ مِنْ مُسْلِمٍ، أَوْ كَافِرٍ فَأَسْلَمَ فَالْحَمْلُ مُسْلِمٌ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُؤْمَرَ مَالِكُ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ الْأُمِّ إنْ قُلْنَا الْحَمْلُ يُعْطَى حُكْمَ الْمَعْلُومِ نَاشِرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّصَدُّقُ بِهَا) (تَنْبِيهٌ)
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَجِبُ الْجَزْمُ بِأَنْ لَا يَصِحَّ وَقْفُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ لِلْخِدْمَةِ نَاشِرِيٌّ. (قَوْلُهُ: اسْتَأْجَرَهَا) أَيْ: الْمَذْكُورَاتِ وَهَذَا شَامِلٌ لِلْمُصْحَفِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَقَالَ: وَلَهُ اسْتِئْجَارُ مُصْحَفٍ وَنَحْوِهِ. اهـ. وَيَتَعَيَّنُ مَنْعُهُ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَافِرِ وَبِهِ يُرَدُّ اسْتِدْلَالُ ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ إذْ لَمْ يُمَلِّكْ مَا ذُكِرَ لِكَافِرٍ.
(قَوْلُهُ: آثَارُ السَّلَفِ) كَالْحِكَايَاتِ الْمَأْثُورَةِ عَنْ الصَّالِحِينَ. اهـ. زي عَلَى الْمَنْهَجِ وَمِثْلُ الْآثَارِ أَسْمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ ع ش: بَلْ يَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَهَا أَسْمَاءُ صُلَحَاءِ الْمُؤْمِنِينَ حَيْثُ وُجِدَ مَا يُعَيِّنُ الْمُرَادَ بِهَا كَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ. (قَوْلُهُ: وَبِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُتَصَوَّرُ نِكَاحُهُ إلَخْ) أَيْ: ابْتِدَاءً فَلَا يَرِدُ مَا لَوْ أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ. اهـ. شَيْخُنَا ذ.
(قَوْلُهُ: مِلْكِهِ لِمُسْلِمٍ) أَيْ: بِنَحْوِ الْإِرْثِ كَالْفَسْخِ وَاسْتِعْقَابِ الْعِتْقِ وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ ق ل.
(قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَخْ) بِخِلَافِ الْمُنْتَقِلِ مِنْ دِينٍ لِآخَرَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ لِكَافِرٍ وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ غَيْرُ الْإِسْلَامِ. اهـ. ح ل عَلَى الْمَنْهَجِ. (قَوْلُهُ: فِي اعْتِبَارِهِ فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ) ، أَمَّا حِلُّهُ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِسْلَامُ بِلَا خِلَافٍ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ.
(قَوْلُهُ: دُونَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهَا) مِثْلُهُ الْمُسْتَعِيرُ، وَالرَّاهِنُ، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْعَيْنِ فِي غَيْرِ نَحْوِ الْمُصْحَفِ، أَمَّا فِيهِ فَيُكْرَهُ، سَوَاءٌ عَقَدَ عَلَى الْعَيْنِ، أَوْ الذِّمَّةِ وَعَلَى كُلٍّ لَا تُسَلَّمُ الْعَيْنُ إلَيْهِ بَلْ يَقْبِضُهَا عَنْهُ الْحَاكِمُ، ثُمَّ يَأْمُرُهُ وُجُوبًا بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهَا فِي نَحْوِ إجَارَةٍ لِلْعَيْنِ ثَمَّ وَيَمْنَعُهُ مِنْ اسْتِخْدَامِ الْمُسْلَمِ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَفِي سم عَلَى الْمَنْهَجِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر تَخْصِيصَ كَرَاهَةِ إجَارَةِ الْمُسْلِمِ، وَالْأَمْرَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْ الْمَنَافِعِ بِالْإِجَارَةِ الْعَيْنِيَّةِ. اهـ.، ثُمَّ رَأَيْته فِي الْحَاشِيَةِ هُنَا.
(قَوْلُهُ: إجَارَةُ عَيْنِهِ) وَكَذَا يُكْرَهُ إجَارَةُ نَحْوِ الْمُصْحَفِ فِي الذِّمَّةِ. اهـ. شَيْخُنَا ذ عَنْ حَاشِيَةِ الْمَنْهَجِ