نَحْوَهُمَا وَأَمَّا فِي الْبَاقِي فَلِأَنَّهُ لَا يَهْجُمُ غَالِبًا دَفْعَةً فَيُورِثُ رِيبَةً وَلَيْسَ لِمُدَّتِهَا الْمَاضِيَةِ ضَبْطٌ فَتَنْعَطِفُ إلَى حَالَةِ التَّحَمُّلِ فَلَوْ زَالَتْ هَذِهِ الْمَوَانِعُ اُحْتِيجَ إلَى تَحَمُّلٍ جَدِيدٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا أَثَرَ لَهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ كَمَا لَا أَثَرَ لِحُضُورِ الْأَصْلِ بَعْدَهُ فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِسَبْقِ شَيْءٍ مِنْهَا نُقِضَ، وَخَرَجَ بِهَا جُنُونُ الْأَصْلِ وَإِغْمَاؤُهُ فَلَا أَثَرَ لَهُمَا كَمَوْتِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ حَاضِرًا لَا يَشْهَدُ الْفَرْعَ بَلْ يَنْتَظِرُ زَوَالَ الْإِغْمَاءِ لِقُرْبِ زَوَالِهِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَضِيَّتُهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ كُلُّ مَرَضٍ يُتَوَقَّعُ قُرْبُ زَوَالِهِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ وَالصَّوَابُ الْفَرْقُ لِبَقَاءِ أَهْلِيَّةِ الْمَرِيضِ، وَغَلَّطَهُ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُبْطِلُ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ بَلْ يُقَوِّيهِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْأَصْلِ بِصِفَةِ الْأَهْلِيَّةِ أَقْرَبُ إلَى عَدَمِ قَبُولِ الْفَرْعِ مِنْ وُجُودِهِ بِدُونِهَا لِسَبَبٍ لَا تَقْصِيرَ فِيهِ فَإِذَا انْتَظَرْنَا زَوَالَ الْإِغْمَاءِ لِقُرْبِهِ فَزَوَالُ الْمَرَضِ الْقَرِيبِ أَوْلَى وَأَجَابَ عَنْهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِ النَّوَوِيِّ أَنَّ الْأَصْلَ إذَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ بِالْمَرَضِ تَعَذَّرَ حُضُورُهُ لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَى الْفَرْعِ الْأَدَاءُ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ الْأَصْلَ عَنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فَوَجَبَ عَلَى الْفَرْعِ انْتِظَارُهُ، وَأَلْحَقَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْجُنُونِ الْخَرَسَ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُزَكِّيَ الْفَرْعَ أُصُولُهُ فَإِنْ زَكَّاهُمْ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ التَّزْكِيَةِ قُبِلَ بِخِلَافِ تَزْكِيَةِ أَحَدِ الْأَصْلَيْنِ الْآخَرَ وَفَرَّقُوا بِأَنَّهَا مِنْ تَتِمَّةِ شَهَادَتِهِ هُنَا وَالْمُزَكِّي ثَمَّةَ قَائِمٌ بِأَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ فَلَا يَصِحُّ قِيَامُهُ بِالثَّانِي، وَيَلْزَمُ الْفَرْعَ أَنْ يُسَمِّيَهُمْ لِتُعْرَفَ عَدَالَتُهُمْ، فَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ عُدُولٍ وَلَمْ يُسَمِّهِمْ لَمْ يَكْفِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ قَدْ يَعْرِفُ جَرْحَهُمْ لَوْ سَمَّاهُمْ وَلِأَنَّهُ يَسُدُّ بَابَ الْجَرْحِ عَلَى الْخَصْمِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِصِدْقِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ الْمُدَّعِي مَعَ شَاهِدِهِ حَيْثُ يَتَعَرَّضُ لِصِدْقِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُهُ
(وَبِاخْتِبَارٍ بَاطِنٍ لِلْعُسْرِ) أَيْ يُعْتَبَرُ فِي الشَّاهِدِ مَا مَرَّ مَعَ خِبْرَةِ الْبَاطِنِ لِشَهَادَةِ الْإِعْسَارِ (عِنْدَ قَرِينَةِ اصْطِبَارِ) الْمَشْهُودِ لَهُ عَلَى (الضُّرِّ) وَالْإِضَافَةُ بِأَنْ ظَهَرَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى النَّاسِ إخْفَاءُ الْمَالِ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّقَادُمُ فِي الْمَعْرِفَةِ بَلْ يَكْفِي شِدَّةُ الْفَحْصِ، وَالضُّرُّ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ خِلَافُ النَّفْعِ وَيُقَالُ بِالْفَتْحِ ذَلِكَ وَبِالضَّمِّ الْهُزَالُ وَسُوءُ الْحَالِ (وَ) مَعَ خِبْرَةِ الْبَاطِنِ (لِلَّذِي زَكَّى) أَيْ لِتَزْكِيَةِ الَّذِي زَكَّاهُ (بِصُحْبَةٍ) مَعَهُ كَصَدَاقَةٍ وَجِوَارٍ وَمُعَامَلَةٍ فَعَنْ عُمَرَ (أَنَّ اثْنَيْنِ شَهِدَا عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُمَا: إنِّي لَا أَعْرِفُكُمَا وَلَا يَضُرُّكُمَا أَنِّي لَا أَعْرِفُكُمَا ائْتِيَا بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا فَأَتَيَا بِرَجُلٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: كَيْفَ تَعْرِفُهُمَا؟ قَالَ بِالصَّلَاحِ وَالْأَمَانَةِ قَالَ: هَلْ كُنْتَ جَارًا لَهُمَا تَعْرِفُ صَبَاحَهُمَا وَمَسَاءَهُمَا وَمَدْخَلَهُمَا وَمَخْرَجَهُمَا؟ قَالَ لَا، قَالَ: هَلْ عَامَلْتَهُمَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا أَمَانَاتُ الرَّجُلِ؟ قَالَ لَا قَالَ هَلْ صَاحَبْتَهُمَا فِي السَّفَرِ الَّذِي يُسْفِرُ عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ؟ قَالَ لَا، قَالَ فَأَنْتَ لَا تَعْرِفُهُمَا ائْتِيَا بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا) وَالْمَعْنَى أَنَّ أَسْبَابَ الْفِسْقِ خَفِيَّةٌ غَالِبًا فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمُزَكِّي حَالَ مَنْ يُزَكِّيهِ
(وَمَا) أَيْ وَلَا (يُمْنَعُ أَعْمَى لَوْ رَوَى) الْأَخْبَارَ؛ لِأَنَّ بَابَ الرِّوَايَةِ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ كَمَا مَرَّ (أَوْ تَرْجَمَا) كَلَامَ الْخَصْمِ أَوْ الشُّهُودِ لِلْقَاضِي أَوْ بِالْعَكْسِ لِمَا مَرَّ أَنَّ التَّرْجَمَةَ تَفْسِيرٌ لِلَفْظٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى مُعَايَنَةٍ وَإِشَارَةٍ
(وَيَشْهَدُ الْأَعْمَى الَّذِي قَدْ اعْتَلَقْ بِمَنْ أَقَرَّ) بِشَيْءٍ بِأَنْ وَضَعَ فَمَهُ بِإِذْنِ الْأَعْمَى، وَيَدُ الْأَعْمَى عَلَى رَأْسِهِ مَثَلًا فَأَقَرَّ بِشَيْءٍ وَتَعَلَّقَ بِهِ إلَى أَنْ أَدَّى الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَاضٍ أَوْ اسْتَرْعَاهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــSبِالشَّهَادَةِ وَلَا يُعْتَدُّ بِشَهَادَتِهِ فَيَشْمَلُ مَا إذَا وُجِدَتْ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ قَبْلَ شَهَادَتِهِ وَبَعْدَهَا (فَرْعٌ)
كَذَّبَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الشَّاهِدَ أَوْ نَسَبَهُ لِشَهَادَةِ الزُّورِ عُزِّرَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْجَرْحِ الْجَائِزِ لَهُ م ر (قَوْلُهُ بِالْجُنُونِ وَالْخَرَسِ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْعَمَى مِنْ الْأَعْذَارِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ كَالْجُنُونِ بِرّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَعْرِفُ) ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ مُدَّعَاهُ وَالشَّخْصُ يُحِيطُ بِمُدَّعَاهُ بِخِلَافِ مُدَّعَى غَيْرِهِ
(قَوْلُهُ وَبِاخْتِبَارِ بَاطِنٍ لِلْعُسْرِ) مَعْنَى كَلَامِ الْمَتْنِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاخْتِيَارِ الْبَاطِنِ أَيْ بِالصُّحْبَةِ وَالْمُخَالَطَةِ، وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ قَرِينَةٍ كَاصْطِبَارِهِ عَلَى الضِّيقِ قَالَ فِي الْإِرْشَادِ وَبِخِبْرَةِ صُحْبَةٍ وَقَرِينَةٍ قَالَ الْجَوْجَرِيُّ: هُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمُسَبَّبِ إلَى السَّبَبِ إذْ الْمُفِيدُ لِخِبْرَةِ الْبَاطِنِ الصُّحْبَةُ وَالْقَرِينَةُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَظَاهِرُ لَفْظِ الشَّافِعِيِّ اعْتِبَارُ التَّقَادُمِ فِي الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنَةِ وَفِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ لِلْعِرَاقِيِّ يُشْبِهُ أَنَّ شِدَّةَ الْفَحْصِ كَالتَّقَادُمِ فَلَيْسَ ذِكْرُ التَّقَادُمِ لِلِاشْتِرَاطِ، بَلْ لِكَوْنِ الْغَالِبِ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْبَاطِنِ تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ قُلْت وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي الْفَلَسِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُوَكِّلُ بِالْقَرِيبِ مَنْ يَبْحَثُ عَنْ حَالِهِ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إعْسَارُهُ شَهِدَ بِهِ قَالَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَتْنِ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِالصُّحْبَةِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ وَعَكْسُهُ لِضَعْفِ الْقَرِينَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْقَرِينَةَ تَلْزَمُ الصُّحْبَةَ فَلَا تَنْفَكُّ عَنْهَا وَمِنْ الْقَرَائِنِ صَبْرُهُ عَلَى الضُّرِّ اهـ. كَلَامُ الْجَوْجَرِيِّ مُلَخَّصًا وَبِهِ يَتَّضِحُ لَكَ مُرَادُ الْمَتْنِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بُرُلُّسِيٌّ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ بَابَ الرِّوَايَةِ أَوْسَعُ) وَلِأَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَرْوُونَ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ حَجَرٌ
(قَوْلُهُ أَوْ اسْتَرْعَاهَا) كَأَنْ يَقُولَ لِغَيْرِهِ أَنَا شَاهِدٌ بِكَذَا فَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعُبَابِ وَإِنَّهُ يُؤَثِّرُ حُدُوثُ الْعَدَاوَةِ وَجَزَمَ م ر بِمَا نَقَلَهُ عَنْ حَجَرٍ آخِرًا (قَوْلُهُ وَلَا أَثَرَ لَهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ) قَالَ م ر فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ نَعَمْ لَوْ كَانَ عُقُوبَةٌ لَمْ تُسْتَوْفَ أُخِّرَتْ (قَوْلُهُ كَمَا لَا أَثَرَ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ حُضُورَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَ شَهَادَةِ الْفَرْعِ يُؤَثِّرُ فَرَاجِعْهُ، ثُمَّ رَأَيْت ق ل عَلَى الْجَلَالِ نَقَلَ أَنَّ حُضُورَ الْأَصْلِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ يُبْطِلُ شَهَادَةَ الْفَرْعِ وَهُوَ فِي مَتْنِ الرَّوْضِ أَيْضًا (قَوْلُهُ حَاضِرًا) أَيْ غَيْرَ غَائِبٍ إذْ الْغَيْبَةُ فِي نَفْسِهَا عُذْرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إغْمَاءٌ. اهـ. بج.
(قَوْلُهُ لِقُرْبِ زَوَالِهِ) أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ لَا يَزُولَ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ نَعَمْ إنْ أَيِسَ مِنْ زَوَالِهِ صَحَّتْ شَهَادَةُ الْفَرْعِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ وَتَعَذَّرَ حُضُورُهُ) أَيْ شَقَّ الْحُضُورُ مَعَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ الْأَصْلَ إلَخْ) أَيْ مَعَ أَنَّ شَأْنَهُ