الْأَوَّلِ (التَّكْذِيبُ) لَهُمَا فَلَا يَضُرُّ تَوَقُّفُهُ بِلَا تَكْذِيبٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَذَّبَهُمَا (لَا هُوَ) أَيْ الْقَاضِي الْأَوَّلُ فَلَا يَقْضِي بِشَاهِدَيْ قَضَائِهِ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْهُ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ فِعْلُهُ، وَالرُّجُوعُ إلَى الْيَقِينِ هُوَ الْأَصْلُ فِي فِعْلِ الْإِنْسَانِ وَلِهَذَا يَأْخُذُ عِنْدَ الشَّكِّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ بِالْيَقِينِ
(وَ) لَا يَقْضِي (بِخَطْ) نَفْسِهِ اعْتِمَادًا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ وَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا عِنْدَهُ لِاحْتِمَالِ التَّزْوِيرِ وَمُشَابَهَةِ الْخَطِّ (كَشَاهِدٍ) فَإِنَّهُ لَا يَشْهَدُ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِ عَلَى تَحَمُّلِهِ وَلَا بِخَطِّهِ وَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا عِنْدَهُ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ (وَلَوْ رَوَى) الْأَخْبَارَ (بِمُحْرَزِ خَطٍّ) أَيْ بِخَطِّهِ الْمُحْرَزِ أَيْ الْمَحْفُوظِ عِنْدَهُ جَوَّزَهُ لِعَمَلِ الْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا بِذَلِكَ، وَقَدْ يُتَسَاهَلُ فِي الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ، إذْ الْفَرْعُ يَرْوِي مَعَ حُضُورِ الْأَصْلِ وَلَا يَشْهَدُ وَيَقُولُ حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ أَنَّهُ يَرْوِي كَذَا، وَلَا يَقُولُ حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ أَنَّهُ يَشْهَدُ بِكَذَا (وَعَمَّنْ عَنْهُ يَرْوِي) أَيْ وَلَوْ رَوَى الْأَخْبَارَ عَمَّنْ يَرْوِيهَا عَنْهُ وَقَدْ نَسِيَ هُوَ تَحْدِيثَهُ بِهَا جَوَّزَهُ كَأَنْ يَقُولَ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ عَنِّي بِكَذَا كَمَا وَقَعَ لِسُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ فِي رِوَايَتِهِ خَبَرَ (الْقَضَاءُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ) عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَمِعَهُ مِنْهُ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ نَسِيَ سُهَيْلٌ ذَلِكَ فَكَانَ يَرْوِيهِ عَنْهُ فَيَقُولُ حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ عَنِّي أَنِّي حَدَّثْتُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَوْلُ النَّظْمِ (جَوِّزْ هَذَا) جَوَابُ لَوْ (وَإِلَّا لَا يَفُهْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي صِدْقَ الْمُدَّعِي أَيْ وَلَا كَذِبَهُ لَا يَتَكَلَّمُ أَيْ سَكَتَ (أَوْ سَأَلَهْ عَلَى ثُبُوتِ مَا ادَّعَى) بِهِ (الْحُجَّةُ لَهْ) كَأَنْ يَقُولَ لَهُ: أَلَكَ حُجَّةٌ؟ نَعَمْ إنْ جَهِلَ الْمُدَّعِي أَنَّ لَهُ إقَامَةَ الْحُجَّةِ فَلَا يَسْكُتُ بَلْ يَجِبُ إعْلَامُهُ بِهِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنْ عَلِمَ عِلْمَهُ بِذَلِكَ فَالسُّكُوتُ أَوْلَى وَإِنْ شَكَّ فَالْقَوْلُ أَوْلَى وَإِنْ عَلِمَ جَهْلَهُ بِهِ وَجَبَ إعْلَامُهُ، وَتَعْبِيرُ النَّظْمِ كَأَصْلِهِ بِالْحُجَّةِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ غَيْرِهِمَا بِالْبَيِّنَةِ لِشُمُولِهِ الشَّاهِدَ مَعَ الْيَمِينِ وَقِيلَ لِشُمُولِهِ الْيَمِينَ إذَا كَانَتْ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي لِكَوْنِهِ أَمِينًا أَوْ فِي قَسَامَةٍ أَوْ فِي قَذْفِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ فَإِنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ بِلِعَانِهِ
ثُمَّ بَيَّنَ الشَّاهِدَ الْعَامَّ الدَّاخِلَ فِي الْحُجَّةِ بِقَوْلِهِ (أَيْ ذَكَرًا يَنْطِقُ حُرًّا مُسْلِمَا عَدْلًا) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ إلَّا فِي صُوَرٍ تَأْتِي، وَلَا الْأَخْرَسِ وَإِنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفْصِحُ عَنْ الْمُرَادِ وَإِنَّمَا صَحَّتْ تَصَرُّفَاتُهُ بِهَا لِلْحَاجَةِ، وَلَا الْعَبْدِ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَمُبَعَّضًا كَسَائِرِ الْوِلَايَاتِ إذْ فِي الشَّهَادَةِ نُفُوذُ قَوْلٍ عَلَى الْغَيْرِ، وَلَا الْكَافِرِ وَلَوْ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَلَا الْفَاسِقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَلَا غَيْرِ الْمُكَلَّفِ الْمَفْهُومِ مِنْ عَدْلًا كَالْإِقْرَارِ بَلْ أَوْلَى (عَلَى كَبِيرَةٍ مَا أَقْدَمَا) أَيْ وَالْعَدْلُ مَنْ لَمْ يُقْدِمْ عَلَى كَبِيرَةٍ أَيْ مَعْصِيَةٍ (مُوجِبَةٍ حَدًّا) كَشُرْبِ خَمْرٍ وَزِنًا وَسَرِقَةٍ وَقَذْفٍ، وَتَفْسِيرُ الْكَبِيرَةِ بِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّ الْأَصْحَابَ إلَى تَرْجِيحِهِ أَمْيَلُ، ثُمَّ قَالَ لَكِنَّ تَعْرِيفَهَا بِأَنَّهَا مَا لَحِقَ صَاحِبَهَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْفَقُ لِمَا ذَكَرُوهُ عِنْدَ تَفْصِيلِهَا أَيْ؛ لِأَنَّهُمْ عَدُّوا الرِّبَا وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ وَشَهَادَةَ الزُّورِ وَالسِّحْرَ وَالْوَطْءَ فِي الْحَيْضِ وَالنَّمِيمَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ الْكَبَائِرِ، وَلَا حَدَّ فِيهَا وَقَالَ الْإِمَامُ فِي الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ: هِيَ كُلُّ جَرِيمَةٍ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ، وَالْمُرَادُ بِهَا بِقَرِينَةِ تَعَارِيفِهَا السَّابِقَةِ غَيْرُ الْكَبَائِرِ الِاعْتِقَادِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْبِدَعُ فَإِنَّ الرَّاجِحَ قَبُولُ شَهَادَةِ أَهْلِهَا مَا لَمْ نُكَفِّرْهُمْ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ مُصِيبُونَ فِي ذَلِكَ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ، وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْخَطَّابِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ لِمُوَافِقِيهِمْ بِدَعْوَاهُمْ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَكْذِبُونَ فَإِنَّ الْكَذِبَ عِنْدَهُمْ كُفْرٌ فَإِنْ ذَكَرَ الْخَطَّابِيِّ فِي شَهَادَتِهِ مَا يَقْطَعُ احْتِمَالَ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِ الْمُدَّعِي بِأَنْ قَالَ: سَمِعْتُهُ يُقِرُّ لِفُلَانٍ بِكَذَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَغَيْرِهِ وَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُبْتَدِعِ إذَا كَانَ يَقْدَحُ فِي إمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَذَّبَهُمَا) شَامِلٌ لِقَاضِي الضَّرُورَةِ، وَقَدْ أَفْتَى شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ فِيمَا إذَا شَهِدَا عِنْدَ قَاضٍ فَقَالَ شَهِدْتُمَا بِكَذَا بِلَا اسْتِثْنَاءٍ وَقَالَا بَلْ بِاسْتِثْنَاءٍ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَاضِي إنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالتَّقْوَى وَالدِّيَانَةِ، وَإِلَّا فَقَوْلُهُمَا وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي شُمُولِ الْمُقَلِّدِ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ يُعْتَبَرُ تَكْذِيبُ قَاضِي الضَّرُورَةِ بِشَرْطِ التَّقْوَى وَالدِّيَانَةِ
(قَوْلُهُ هَذَا) مَعْلُولُ جَوَّزَ، وَقَوْلُهُ جَوَابُ أَيْ قَوْلُهُ جَوَّزَ هَذَا (قَوْلُهُ الْحُجَّةُ لَهُ) أَيْ مَا ادَّعَى وَقَوْلُهُ لَهُ ضَبَّبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ سَأَلَهُ م ر (قَوْلُهُ وَقِيلَ لِشُمُولِهِ إلَخْ) قَائِلُهُ الشَّارِحُ وَكَانَ وَجْهُ التَّعْبِيرِ بِقِيلِ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُسَمَّى حُجَّةً وَأَيْضًا فَقَدْ فَسَّرَ الْحُجَّةَ بِقَوْلِهِ أَيْ ذَكَرًا يَنْطِقُ إلَخْ
(قَوْلُهُ حُرًّا) أَيْ، وَلَوْ بِالدَّارِ م ر وَقَوْلُهُ مُسْلِمًا أَيْ، وَلَوْ بِالتَّبَعِيَّةِ م ر (قَوْلُهُ: نُفُوذُ قَوْلِهِ عَلَى الْغَيْرِ) فَفِيهِ نَوْعُ وِلَايَةٍ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا} [البقرة: 282] الْآيَةَ) شَامِلٌ لِلِاسْتِشْهَادِ عَلَى الْكَافِرِ مَعَ أَنَّهُ قَيَّدَ بِمِنْ رِجَالِكُمْ فَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِسْلَامِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ بِقَرِينَةِ تَعَارِيفِهَا) يَحْتَمِلُ أَنَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّ الْبِدَعَ الْمَذْكُورَةَ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ وَلَا تَوَعَّدَ عَلَيْهَا كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ وَلَا تُوصَفُ عُرْفًا بِالِارْتِكَابِ وَالْإِقْدَامِ وَلَا تُوزَنُ بِمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: الَّتِي هِيَ الْبِدَعُ) يُتَأَمَّلُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ أَنَّ الْبِدَعَ كَبَائِرُ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ تَعْصِيَةُ أَرْبَابِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ قَدْ تَنْتَفِي التَّعْصِيَةُ عَنْ الْكَبِيرَةِ لِنَحْوِ جَهْلٍ وَلَا يُخْرِجُهَا ذَلِكَ عَنْ كَوْنِهَا كَبِيرَةً فِي نَفْسِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ بِشَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَى الْقَاضِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَضَى بِكَذَا
(قَوْلُهُ الشَّاهِدُ الْعَامُّ) ذِكْرُهُ الْعَامُّ بَيَانٌ لِوَجْهِ اقْتِصَارِهِ عَلَى الذَّكَرِ وَهُوَ قَبُولُهُ فِي جَمِيعِ الشَّهَادَاتِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّ: أَنَّ الذُّكُورَةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي كُلِّ الشَّهَادَاتِ، فَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهَا فِي مُطْلَقِ الشَّهَادَاتِ (قَوْلُهُ مَا لَمْ نُكَفِّرْهُمْ) بِأَنْ أَنْكَرُوا بَعْضَ مَا عُلِمَ مَجِيئُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ ضَرُورَةً (قَوْلُهُ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ) فَمَا فِي بَابِ الْبُغَاةِ مِنْ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا تَأْوِيلَ لَهُمْ فِيهِ. اهـ. بج وَخَطّ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ يَقْدَحُ إلَخْ) جَزَمَ بِهِ السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ. اهـ