وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ النَّظْمِ وَأَصْلِهِ وَقِيلَ لَا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ
(وَمَا لَهُ) أَيْ لِلْحَاكِمِ (أَنْ يَمْنَعَا مُعْتَقِدًا بُطْلَانَهُ) أَيْ الْحُكْمِ (إذَا ادَّعَى) أَيْ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الدَّعْوَى إذَا أَرَادَهَا وَلَا مِنْ الْأَخْذِ بِمَا حَكَمَ لَهُ بِهِ كَحَنَفِيٍّ يَدَّعِي عِنْدَ شَافِعِيٍّ بِأُجْرَةِ الْمَغْصُوبِ، وَشَافِعِيٍّ يَدَّعِي عِنْدَ حَنَفِيٍّ شُفْعَةَ الْجِوَارِ وَلَوْ شَهِدَ بِهَا عِنْدَهُ شَافِعِيٌّ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ (بِالْعِلْمِ) أَيْ قَضَى الْقَاضِي بِعِلْمِهِ بِصِدْقِ الْمُدَّعِي إنْ عَلِمَهُ وَلَوْ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ كَمَا يَقْضِي بِالْحُجَّةِ بَلْ أَوْلَى سَوَاءٌ عَلِمَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ وِلَايَتِهِ وَمَكَانِهَا أَمْ فِي غَيْرِهِمَا وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْوَاقِعَةِ بَيِّنَةٌ أَمْ لَا، وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ الْحُكْمُ بِالْعِلْمِ إلَّا مَعَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ مُسْتَنَدَهُ عِلْمُهُ بِذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ قَدْ عَلِمْت أَنَّ لَهُ عَلَيْك مَا ادَّعَاهُ وَحَكَمْت عَلَيْك بِعِلْمِي (كَالتَّعْدِيلِ) أَيْ كَمَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي تَعْدِيلِ الشُّهُودِ وَجَرْحِهِمْ (وَ) فِي (التَّقْوِيمِ) لِمَا يَحْتَاجُ لِتَقْوِيمِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مُقَوَّمٌ آخَرُ (لَا فِي حُدُودِ رَبِّنَا الْعَظِيمِ) وَتَعَازِيرِهِ لِنَدْبِ السَّتْرِ فِي أَسْبَابِهَا بِخِلَافِ عُقُوبَاتِ الْآدَمِيِّ وَحُقُوقِهِ تَعَالَى الْمَالِيَّةِ وَنَحْوِهَا كَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَيَقْضِي فِيهَا بِعِلْمِهِ وَلَا يَقْضِي بِخِلَافِ عِلْمِهِ كَأَنْ عَلِمَ إبْرَاءَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي وَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً فَلَا يَقْضِي بِهَا فِيهِ
وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ بِقَرِينَةِ تَمْثِيلِهِمْ لِلْقَضَاءِ بِهِ بِمَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا وَقَدْ رَآهُ الْقَاضِي أَقْرَضَهُ ذَلِكَ أَوْ سَمِعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِذَلِكَ إذْ رُؤْيَةُ الْإِقْرَاضِ وَسَمَاعُ الْإِقْرَارِ لَا تُفِيدُ الْيَقِينَ بِثُبُوتِ الْمَحْكُومِ بِهِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فَقَوْلُ الْإِمَامِ إنَّمَا يَقْضِي بِالْعِلْمِ فِيمَا يَسْتَيْقِنُهُ لَا مَا يَظُنُّهُ اخْتِيَارٌ لَهُ أَوْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ وَمَا يَسْتَيْقِنُهُ عَلَى مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ الْقَوِيَّ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى مُجَرَّدِ الظَّنِّ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا ظَنَّ أَصْلَ اللُّزُومِ، وَالْكَلَامُ السَّابِقُ عَلَى مَا إذَا تَحَقَّقَ أَصْلُ اللُّزُومِ وَإِنَّمَا نَشَّأَ الظَّنُّ مِنْ جِهَةِ اسْتِصْحَابِ بَقَائِهِ لِجَوَازِ الْوَفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ كَالشَّهَادَةِ لَا يَشْهَدُ بِمَا يَظُنُّهُ مِنْ غَيْرِ يَقِينٍ إلَّا أَنْ يَنْشَأَ الظَّنُّ مِنْ اسْتِصْحَابٍ مَعَ تَحَقُّقِ أَصْلِ اللُّزُومِ، فِيهِ نَظَرًا لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ تَمْثِيلَهُمْ السَّابِقَ لَيْسَ بِتَامٍّ فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يُفِيدُ تَحَقُّقَ أَصْلِ اللُّزُومِ (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَإِذَا نَفَّذْنَا أَحْكَامَ الْقَاضِي الْفَاسِقِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا مَرَّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُنَفَّذَ قَضَاؤُهُ بِعِلْمِهِ بِلَا خِلَافٍ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَنْفِيذِ هَذِهِ الْجُزْئِيَّةِ مَعَ فِسْقِهِ الظَّاهِرِ
(وَ) قَضَى (غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْقَاضِي أَيْ قَاضٍ آخَرُ بِمَا قَضَى بِهِ الْأَوَّلُ أَيْ أَمْضَاهُ (بِشَاهِدَيْهِ) أَيْ بِشَاهِدَيْ قَضَاءِ الْأَوَّلِ (وَاشْتَرَطْ) فِيهِ الْحَاوِي كَغَيْرِهِ (أَنْ يَنْتَفِي) مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــSفِي صِيغَتِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ بِرّ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ شَهِدَ بِهَا عِنْدَهُ شَافِعِيٌّ إلَخْ) وَلَهَا حَالَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَشْهَدَ بِنَفْسِ الْجَوَازِ وَهُوَ جَائِزٌ، ثَانِيهِمَا أَنْ يَشْهَدَ بِاسْتِحْقَاقِ الْآخِذِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ لِاعْتِقَادِهِ بِخِلَافِهِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ لَمْ يُقَلِّدْ الْقَائِلَ بِذَلِكَ، وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي شَافِعِيٍّ حَضَرَ تَزْوِيجَ امْرَأَةٍ نَفْسَهَا مَثَلًا فَإِنْ حَضَرَ لِيَشْهَدَ بِصُورَةِ الْحَالِ جَازَ أَوْ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ لَمْ يَجُزْ إلَّا إنْ قُلِّدَ حَجَرٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي بِخِلَافِ عِلْمِهِ) أَيْ بِمَا يَعْلَمُ خِلَافَهُ بِرّ (قَوْلُهُ فَلَا يَقْضِي بِهَا فِيهِ) وَلَا يَقْضِي أَيْضًا بِعِلْمِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ قَالَ: وَكَأَنَّهُ لِقُوَّةِ التُّهْمَةِ بِرّ ج (قَوْلُهُ كَالشَّاهِدِ لَا يَشْهَدُ بِمَا يَظُنُّ مِنْ غَيْرِ يَقِينٍ إلَخْ) هَذَا يُشْكِلُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ لِرُؤْيَةِ التَّصَرُّفِ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ الَّتِي مُسْتَنَدُهَا الِاسْتِفَاضَةُ، ثُمَّ اُنْظُرْ لَوْ كَانَ طَرِيقُ عِلْمِ الْقَاضِي بِالْحَقِّ مِثْلَ هَذَا هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ كَمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ بِرّ (قَوْلُهُ فِيهِ نَظَرٌ لِاقْتِضَائِهِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مَنْشَؤُهُ أَنَّهُ فَهِمَ عَنْ الشَّيْخَيْنِ فِي التَّمْثِيلِ السَّابِقِ أَنَّهُمَا قَائِلَانِ بِأَنَّ رُؤْيَةَ الْإِقْرَاضِ وَسَمَاعَ الْإِقْرَارِ لَا يُفِيدُ أَنَّ الْيَقِينَ ابْتِدَاءٌ وَالشَّيْخَانِ لَمْ يُرِيدَا ذَلِكَ وَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهُمَا لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا غَرَضَهُمَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ وَقْتَ قَضَاءِ الْقَاضِي بَعْدَ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ إبْرَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَإِنَّهُمَا لَمْ يَقْتَصِرَا عَلَى مَا سَاقَهُ الشَّارِحُ عَنْهُمَا، وَإِنَّمَا قَالَا لَا يُفِيدُ الْيَقِينُ بِثُبُوتِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَقْتَ الْقَضَاءِ اهـ.
فَاعْتِرَاضُهُ عَلَى الْعِرَاقِيِّ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ يَبْحَثَ بَاحِثٌ مَعَ الْعِرَاقِيِّ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ كَوْنَ الشَّيْخَيْنِ يَقْصُرَانِ الْحُكْمَ بِالْعِلْمِ عَلَى الظَّنِّ النَّاشِئِ مِنْ اسْتِعْجَالِ السَّبَبِ الْمُتَيَقَّنِ، يُرْشِدُك إلَى هَذَا أَنَّ الْعِرَاقِيَّ نَظَرَ لِلْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ وَالشَّاهِدِ بِجَوَازِ أَنْ يَعْتَمِدَ فِي الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ السَّمَاعَ الْفَاشِيَ وَرُؤْيَةَ التَّصَرُّفِ، وَذَلِكَ ظَنٌّ فِي أَصْلِ السَّبَبِ، وَكَوْنُ الشَّيْخَيْنِ يَمْنَعَانِ الْحُكْمَ فِي مُفَادِ هَذَا عَنْ عِلْمِ الْقَاضِي بِهِ وَيَقْصُرَانِ الظَّنَّ عَلَى مَا نَشَأَ عَنْ يَقِينِ السَّبَبِ مَوْضِعَ تَأَمُّلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الْبُرُلُّسِيِّ وَأَقُولُ: لَك دَفْعُ مَا أَوْرَدَهُ عَلَى نَظَرِ الشَّارِحِ بِأَنَّ قَوْلَ الشَّيْخَيْنِ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ ابْتِدَاءً أَمْرٌ مُتَعَيَّنٌ وَلَا يُنَافِيهِ مَا زَادَاهُ عَلَى مَا سَاقَهُ الشَّارِحُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْإِقْرَارِ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ لِجَوَازِ الْكَذِبِ وَالتَّأْوِيلِ، وَكَذَا الْإِقْرَاضُ لِجَوَازِ كَوْنِ الْمَالِ الْمُقْرَضِ مِلْكَ الْمُقْتَرِضِ أَوْ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لِلْمُقْرِضِ وَلِجَوَازِ التَّأْوِيلِ فِي لَفْظِ الْإِقْرَاضِ فَاعْتِرَاضُهُ عَلَى الْعِرَاقِيِّ فِي مَحَلِّهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. سم
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقُولُ بِهِ حِينَئِذٍ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ شَهِدَ بِهَا) أَيْ بِالْجِوَارِ الْمُثْبِتِ لَهَا لَا بِشُفْعَتِهِ، إلَّا إنْ قَلَّدَ الْقَائِلَ بِهِ شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ أَيْضًا قَضَاؤُهُ بِخِلَافِ عِلْمِهِ رَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ بِشَاهِدَيْ قَضَاءِ الْأَوَّلِ)