مَجْلِسٍ آخَرَ، أَمَّا الْمُقَدَّمُ بِالسَّفَرِ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُقَدِّمَ إلَّا بِوَاحِدَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَدِّمَ بِالْجَمِيعِ لِلْمَعْنَى السَّابِقِ فِي تَقْدِيمِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إذَا عُرِفَ أَنَّ لَهُ دَعَاوَى فَهُوَ كَالْمُقِيمِ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ لَا يُفِيدُهُ وَالْكُلَّ يَضُرُّ غَيْرَهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِإِطْلَاقِ النَّظْمِ وَأَصْلِهِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْعُجَابِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْأَرْجَحُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ قَلِيلَةً أَوْ خَفِيفَةً بِحَيْثُ لَا تَضُرُّ بِالْبَاقِينَ إضْرَارًا بَيِّنًا قُدِّمَ بِجَمِيعِهَا وَإِلَّا فَبِوَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهَا مَأْذُونٌ فِيهَا وَقَدْ يَقْنَعُ بِوَاحِدَةٍ وَيُؤَخِّرُ الْبَاقِيَ إلَى أَنْ يَحْضُرَ وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ؛ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّقْدِيمِ بِوَاحِدَةٍ مَمْنُوعٌ، بَلْ الْقِيَاسُ عَلَى مَا قَالَهُ أَنْ يَسْمَعَ فِي عَدَدٍ مِنْهَا لَا يَضُرُّ بِالْبَاقِينَ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي ذَلِكَ كَالْمُسَافِرِ وَأَنَّ الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ. (كَالْحُكْمِ فِي الْمُفْتِي وَمَنْ قَدْ دَرَّسَا) فَإِنَّهُمَا يُقَدِّمَانِ بِالسَّبْقِ، ثُمَّ بِالْقُرْعَةِ وَمَحَلُّهُ فِي الْفَرْضِ وَلَوْ كِفَايَةً، أَمَّا فِي غَيْرِهِ فَالتَّقْدِيمُ بِالْمَشِيئَةِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْمُسَافِرَ وَالْمَرْأَةَ، وَأَنَّ التَّقْدِيمَ إنَّمَا يَكُونُ بِفَتْوَى وَاحِدَةٍ وَدَرْسٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَا مَرَّ فِي الْمُسَافِرِ وَالْمَرْأَةِ يَأْتِي هُنَا

(وَلْيَتَّخِذْ مَكَانَ رِفْقٍ مَجْلِسَا) أَيْ: وَلْيَتَّخِذْ لِلْقَضَاءِ نَدْبًا مَجْلِسًا رَفِيقًا بِالنَّاسِ بِأَنْ يَكُونَ وَاسِعًا بَارِزًا مَصُونًا مِنْ أَذَى حَرٍّ وَبَرْدٍ وَرِيحٍ وَغُبَارٍ وَدُخَانٍ هَذَا إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ فَإِنْ تَعَدَّدَ وَحَصَلَ زِحَامٌ اتَّخَذَ مَجَالِسَ بِعَدَدِ الْأَجْنَاسِ فَلَوْ اجْتَمَعَ رِجَالٌ وَخَنَاثَى وَنِسَاءٌ اتَّخَذَ ثَلَاثَةَ مَجَالِسَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ وَيَنْبَغِي ارْتِفَاعُ مَحَلِّ جُلُوسِهِ كَدَكَّةٍ وَأَنْ يَتَوَجَّهَ لِلْقِبْلَةِ غَيْرَ مُتَّكِئٍ وَحَسَنٌ أَنْ يُوضَعَ لَهُ فِرَاشٌ وَوِسَادَةٌ لِيَعْرِفَهُ النَّاسُ وَلِيَكُونَ أَهْيَبَ لِلْخُصُومِ وَأَرْفَقَ بِهِ فَلَا يَمَلُّ

. (وَالْحُكْمُ فِي الْمَسْجِدِ فَأُكْرِهَ أَمْرُهُ) وَفِي نُسْخَةٍ فَأَكْرَهَهُ لَهُ أَيْ: أُكْرِهَ لَهُ اتِّخَاذَ الْمَسْجِدِ مَجْلِسًا لِلْحُكْمِ صَوْنًا لَهُ عَنْ ارْتِفَاعِ الْأَصْوَاتِ وَاللَّغَطِ الْوَاقِعَيْنِ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ عَادَةً وَقَدْ يَحْتَاجُ لِإِحْضَارِ الْمَجَانِينِ وَالصِّغَارِ وَالْحُيَّضِ وَالْكُفَّارِ بِخِلَافِ اتِّخَاذِهِ مَجْلِسًا لِلْفَتْوَى وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ فَلَا يُكْرَهُ. (وَ) الْحُكْمُ. (فِي) قَضِيَّةٍ أَوْ. (أَوْ قَضَايَا افْتَرَقَتْ) أَيْ: مُتَفَرِّقَةٍ اتَّفَقَتْ لَهُ وَقْتَ حُضُورِهِ فِي الْمَسْجِدِ لِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا. (لَا يُكْرَهُ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

. (وَ) أُكْرِهَ لَهُ. (نَصْبُهُ الْبَوَّابَ) وَهُوَ مَنْ يَقْعُدُ بِالْبَابِ لِلْإِحْرَازِ. (وَالْحَاجِبَ) وَهُوَ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ لِلِاسْتِئْذَانِ. (إنْ يَجْلِسْ لِحُكْمٍ وَالزِّحَامُ قَدْ أُمِنْ) مِنْهُ لِخَبَرِ «مَنْ وَالَى مِنْ أُمُورِ النَّاسِ شَيْئًا فَاحْتَجَبَ عَنْهُمْ حَجَبَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ «أَيُّمَا أَمِيرٍ احْتَجَبَ عَنْ النَّاسِ فَأَهَمَّهُمْ احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ لِلْحُكْمِ بِأَنْ كَانَ فِي وَقْتِ خَلَوَاتِهِ أَوْ خَافَ الزِّحَامَ لَمْ يُكْرَهْ نَصْبُهُمَا

(وَ) أُكْرِهَ لَهُ. (الْحُكْمُ بِالْمُدْهِشِ) أَيْ: مَعَ مُدْهِشٍ. (عَنْ) اسْتِيفَاءِ. (فِكْرٍ) كَغَضَبٍ وَجُوعٍ وَعَطَشٍ وَحُقْنَةٍ وَمَلَلٍ وَهَمٍّ وَفَرَحٍ شَدِيدٍ وَنُعَاسٍ وَمَرَضٍ مُؤْلِمٍ وَشِدَّةِ حَرٍّ وَبَرْدٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَحْكُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ «لَا يَقْضِي الْقَاضِي» وَفِي صَحِيحِ أَبِي عَوَانَةَ «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ مَهْمُومٌ وَلَا مُصَابٌ مَحْزُونٌ وَلَا يَقْضِي وَهُوَ جَائِعٌ» وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ سَائِرُ التَّغَيُّرَاتِ الْمُزْعِجَةِ وَاسْتَثْنَى الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيِّ الْغَضَبَ لِلَّهِ تَعَالَى وَاسْتَغْرَبَهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْمُعْتَمَدُ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ الْغَضَبَ لِلَّهِ يُؤْمَنُ مَعَهُ التَّعَدِّي بِخِلَافِ الْغَضَبِ لِحَظِّ النَّفْسِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ الرَّاجِحُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَالْمُوَافِقُ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ وَكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ؛ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ تَشْوِيشُ الْفِكْرِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ نَعَمْ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْحُكْمِ فِي الْحَالِ وَقَدْ يَتَعَيَّنُ الْحُكْمُ عَلَى الْفَوْرِ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ. (كَمَا عَامِلٌ أَوْ عَنْهُ وَكِيلٌ عُلِمَا) أَيْ: كَمَا يُكْرَهُ أَنْ يُعَامَلَ النَّاسَ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ الْمَعْرُوفُ بِوَكَالَتِهِ لِئَلَّا يُحَابِيَ فَيَمِيلَ قَلْبُهُ إلَى مُحَابِيهِ بِخِلَافِ وَكِيلِهِ الَّذِي لَمْ يُعْرَفْ فَإِذَا عُرِفَ أَبْدَلَهُ فَلَوْ وَقَعَتْ خُصُومَةٌ لِمُعَامِلِهِ نُدِبَ أَنْ يُنِيبَ فِي فَصْلِهَا خَوْفَ الْمَيْلِ وَنُصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ فِي نَفَقَةِ عِيَالِهِ وَلَا أَمْرِ ضَيْعَتِهِ بَلْ يَكِلُهُ إلَى غَيْرِهِ لِيَتَفَرَّغَ قَلْبُهُ

(وَأُكْرِهَ لَهُ حُضُورُهُ وَلِيُمَهْ) لِمَنْ لَا خُصُومَةَ لَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــSالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: أَنْ يَسْمَعَ فِي عَدَدٍ مِنْهَا لَا يَضُرُّ بِالْبَاقِينَ) أَجَابَ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ نَقْلًا عَنْ الْأَذْرَعِيِّ بِقَوْلِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا لَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ. اهـ. وَأَقُولُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَأَتَّ تَرْجِيحُ النَّوَوِيِّ التَّقْدِيمَ بِجَمِيعِهَا إنْ كَانَتْ قَلِيلَةً أَوْ خَفِيفَةً لَا تَضُرُّ بِالْبَاقِينَ إضْرَارًا بَيِّنًا فَلْيُتَأَمَّلْ سم. (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَيُقَدَّمُ الْمُسَافِرُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُقِيمَةِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ اهـ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْمَرْأَةَ الْمُسَافِرَةَ عَلَى الرَّجُلِ الْمُسَافِرِ. (قَوْلُهُ: أَمَّا فِي غَيْرِهِ إلَخْ) مَثَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِالْعُرُوضِ بِرّ

(قَوْلُهُ اتَّخَذَ ثَلَاثَةَ مَجَالِسَ) قَدْ يُقَالُ الْقِيَاسُ إفْرَادُ كُلِّ خُنْثَى عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْخَنَاثَى احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ الِاخْتِلَافِ

(قَوْلُهُ: فَأُكْرِهَ أَمْرَهُ) أَيْ ارْتِكَابَهُ

(قَوْلُهُ حَجَبَهُ اللَّهُ) أَيْ عَنْهُ فَهُوَ بِمَعْنَى احْتَجَبَ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ

(قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُحَابِيَ إلَخْ) عَلَّلَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَبْلَ هَذَا بِقَوْلِهِ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ قَبْلَهُ عَمَّا هُوَ بِصَدَدِهِ، ثُمَّ بَعْدَ التَّعْلِيلَيْنِ قَالَ: وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ مُعَامَلَتَهُ مَعَ أَبْعَاضِهِ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى إذْ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لَهُمْ وَمَا قَالَهُ لَا يَأْتِي مَعَ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَأُكْرِهَ لَهُ حُضُورُهُ وَلِيمَةً إلَخْ)

ـــــــــــــــــــــــــــــQصَرَّحَ صَاحِبُ التَّمْيِيزِ بِوُجُوبِ تَقْدِيمِ الْمُسْلِمِ فِي سَائِرِ وُجُوهِ الْإِكْرَامِ وَهُوَ قِيَاسُ مَا جَازَ بَعْدَ الِامْتِنَاعِ وَصَرَّحَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015