فَلَوْ سَلَّمَ الْخَصْمَانِ مَعًا أَجَابَهُمَا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ الْأَصْحَابُ: يَنْتَظِرُ سَلَامَ الْآخَرِ فَيُجِيبُهُمَا مَعًا وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ وَذَكَرُوا أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ لِلْآخَرِ سَلِّمْ فَإِذَا سَلَّمَ أَجَابَهُمَا قَالَ: وَفِيهِ اشْتِغَالٌ مِنْهُ بِغَيْرِ الْجَوَابِ وَمِثْلُهُ يَقْطَعُ الْجَوَابَ عَنْ الْخِطَابِ وَكَأَنَّهُمْ احْتَمَلُوا ذَلِكَ لِئَلَّا يَبْطُلَ مَعْنَى التَّسْوِيَةِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ أَوَّلًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْقَاضِي وَحْدَهُ، ثُمَّ زَيَّفَهُ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا يَرُدُّهُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ فِي الْحَالِ، ثَانِيهَا بَعْدَ الْحُكْمِ، ثَالِثُهَا يَرُدُّهُ عَلَيْهِمَا مَعًا فِي الْحَالِ وَلَمْ يَحْكِ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا بَلْ عَزَاهُ لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ أَصْحَابِنَا وَالْمُخْتَارُ مَا مَالَ إلَيْهِ الْإِمَامُ مِنْ وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَشُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ اهـ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَأَطَالَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: فَتَلَخَّصَ أَنَّ مَا نَسَبَهُ الرَّافِعِيُّ إلَى الْأَصْحَابِ غَلَطٌ أَوْقَعَهُ فِيهِ جَزْمُ الْبَغَوِيّ التَّابِعِ لِلْقَاضِي اهـ.
وَأَوْجَهُ الْأَوْجُهِ ثَالِثُهَا مُحَافَظَةً عَلَى التَّسْوِيَةِ وَكَمَالِ الرَّدِّ. (لِمَجْلِسِ الْمُسْلِمِ رَفْعٌ جُوِّزَا) أَيْ: وَجُوِّزَ لِلْقَاضِي رَفْعُ الْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ فِي الْمَجْلِسِ بِأَنْ يَجْلِسَ الْمُسْلِمُ أَقْرَبَ إلَى الْقَاضِي كَمَا «جَلَسَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِجَنْبِ شُرَيْحٍ فِي خُصُومَةٍ لَهُ مَعَ يَهُودِيٍّ وَقَالَ: لَوْ كَانَ خَصْمِي مُسْلِمًا لَجَلَسْت مَعَهُ بَيْنَ يَدَيْك وَلَكِنِّي سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَا تُسَاوُوهُمْ فِي الْمَجْلِسِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ قَالَ الشَّيْخَانِ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَجْرِيَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ وُجُوهِ الْإِكْرَامِ أَيْ: حَتَّى فِي التَّقْدِيمِ فِي الدَّعْوَى كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ قَلَّتْ الْخُصُومُ الْمُسْلِمُونَ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِكَثْرَةِ ضَرَرِ التَّأَخُّرِ
(وَقَدَّمَ) الْقَاضِي عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْخُصُومِ (الْمُسَافِرَ الْمُسْتَوْفِزَا) أَيْ: الَّذِي تَهَيَّأَ لِلسَّفَرِ وَخَافَ انْقِطَاعَهُ عَنْ رُفْقَتِهِ إنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْمُقِيمِ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِالتَّخَلُّفِ. (فَامْرَأَةً) أَيْ: ثُمَّ بَعْدَ الْمُسَافِرِ قَدَّمَ الْمَرْأَةَ عَلَى غَيْرِهَا طَلَبًا لِسَتْرِهَا نَعَمْ إنْ كَثُرَ الْمُسَافِرُونَ أَوْ النِّسَاءُ قَدَّمَ بِالسَّبْقِ، ثُمَّ بِالْقُرْعَةِ كَمَا فِي بَعْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ بَعْضِهِ الْآخَرِ.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَ كَوْنِهِمْ مُدَّعِينَ وَمُدَّعًى عَلَيْهِمْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْمُدَّعِي وَتَقْدِيمُهُمْ رُخْصَةً غَيْرُ وَاجِبٍ، وَقِيلَ: وَاجِبٌ وَاخْتَارَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ وَعَلَيْهِ جَرَى النَّاظِمُ حَيْثُ زَادَ قَوْلَهُ. (نَدْبًا) فَإِنَّهُ رَاجِعٌ إلَى تَقْدِيمِ الْمُسَافِرِ وَالْمَرْأَةِ (فَسَابِقًا فَمَنْ يُقْرَعُ) أَيْ: ثُمَّ بَعْدَ الْمَرْأَةِ قُدِّمَ وُجُوبًا السَّابِقُ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ وَالْعِبْرَةُ بِسَبْقِ الْمُدَّعِي دُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، ثُمَّ مَنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهُ فَإِنْ عَسِرَ الْإِقْرَاعُ لِكَثْرَتِهِمْ كُتِبَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي رِقَاعٍ وَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَأْخُذَ وَاحِدَةً وَاحِدَةً فَيَسْمَعَ دَعْوَى مَنْ خَرَجَ اسْمُهُ وَيُنْدَبُ أَنْ يُرَتِّبَ ثِقَةً يُثْبِتَ أَسْمَاءَ الْحَاضِرِينَ يَوْمَ قَضَائِهِ لِيَعْرِفَ تَرْتِيبَهُمْ وَيُقَدِّمَ السَّابِقَ وَالْقَارِعَ. (فِي خُصُومَةٍ) وَاحِدَةٍ. (فَلَا يُثَنْ) بِأُخْرَى دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْبَاقِينَ فَيَنْتَظِرَ فَرَاغَهُمْ أَوْ يَحْضُرَ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: لِمَجْلِسِ الْمُسْلِمِ رَفْعٌ جُوِّزَا) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَلَهُ رَفْعُ مُسْلِمٍ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَزِدْت لَهُ تَبَعًا لِلْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ لِأُنَبِّهَ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ فِي الرَّفْعِ فِي الْمَجْلِسِ لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَعَ نَقْلِهِ ذَلِكَ عَنْ سُلَيْمٍ وَالظَّاهِرُ وُجُوبُهُ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّحْبِيرِ وَهُوَ قِيَاسُ الْقَاعِدَةِ أَنَّ مَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ إذَا جَازَ وَجَبَ كَقَطْعِ الْيَدِ فِي السَّرِقَةِ اهـ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَكْثَرِيَّةٌ لَا كُلِّيَّةٌ بِدَلِيلِ سُجُودَيْ السَّهْوِ وَالتِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ اهـ وَقَدْ يُقَالُ كَوْنُهَا أَكْثَرِيَّةً لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاحْتِجَاجِ بِهَا فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّ أَكْثَرِيَّتَهَا تَقْتَضِي رُجْحَانَ الْعَمَلِ بِهَا إلَّا لِدَلِيلٍ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفَرَّقَ إلَخْ) أَيْ فَيَكْفِي فِي التَّقْدِيمِ أَيْ بِسَبَبِ السَّفَرِ كَوْنُ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُسَافِرًا وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ مُقِيمًا وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إنَّمَا يُقَدَّمُ إذَا حَضَرَ خَصْمُهُ فَلَا يُؤَخَّرُ غَيْرُهُ لِحُضُورِهِ وَالنَّظَرِ بَيْنَهُمَا. (قَوْلُهُ: وَالْعِبْرَةُ بِسَبْقِ الْمُدَّعِي إلَخْ) وَبَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَوْ جَاءَ مُدَّعٍ وَحْدَهُ، ثُمَّ مُدَّعٍ مَعَ خَصْمِهِ ثُمَّ خَصْمُ الْأَوَّلِ قُدِّمَ مَنْ جَاءَ مَعَ خَصْمِهِ وَيُرَدُّ بِأَنَّ خَصْمَ الْأَوَّلِ إنْ حَضَرَ قَبْلَ دَعْوَى الثَّانِي قُدِّمَ الْأَوَّلُ لِسَبْقِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَارُضٍ أَوْ بَعْدَهَا فَتَقْدِيمُ الثَّانِي لَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْأَوَّلِ وَقْتَ دَعْوَى الثَّانِي غَيْرُ مُمْكِنٍ لَا لِبُطْلَانِ حَقِّ الْأَوَّلِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ لَيْسَتْ مُرَادَةً لِلشَّيْخَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ شَرْحِ م ر. (قَوْلُهُ فِي خُصُومَةٍ وَاحِدَةٍ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ وَإِذَا قَدَّمْنَا بِوَاحِدَةٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّقْدِيمُ بِالدَّعْوَى وَجَوَابِهَا وَفُصِّلَ الْحُكْمُ عَلَيْهَا نَعَمْ إذَا تَأَخَّرَ الْحُكْمُ لِانْتِظَارِ بَيِّنَةٍ أَوْ تَزْكِيَةٍ أَوْ نَحْوِهَا سَمِعَ دَعْوَى مَنْ بَعْدَهُ حَتَّى يَحْضُرَ هُوَ بِعَيْنِهِ فَيَشْتَغِلَ حِينَئِذٍ بِإِتْمَامِ حُكُومَتِهِ إذْ لَا وَجْهَ لِتَعْلِيلِ الْخُصُومِ ذَكَرَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQاهـ وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ إقَامَتُهَا إلَخْ أَيْ فَتَثْبُتُ بِهَا شَهَادَةُ الزُّورِ بِخِلَافِ شَهَادَتِهَا بِأَنَّهُ شَهِدَ زُورًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْهَا إذْ لَا يَفْسُقُ حِينَئِذٍ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا إنَّمَا تَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ إلَخْ أَيْ بِنَفْسِ الْإِقْرَارِ أَوْ الشَّهَادَةِ بِهِ هَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ فَلْيُرَاجَعْ
(قَوْلُهُ: قَالَ الرَّافِعِيُّ: إلَخْ) هَذَا هُوَ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ م ر فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ الثَّانِي سَقَطَ وُجُوبُ الرَّدِّ عَلَى الْأَوَّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يَرُدُّهُ عَلَيْهِمَا مَعًا إلَخْ) أَيْ:؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ سُنَّةُ كِفَايَةٍ فَإِذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا فَقَدْ قَامَ بِالسُّنَّةِ عَنْ الْآخَرِ فَجَوَابُ الْحَاكِمِ رَدٌّ عَلَى الْمُسْلِمِ حَقِيقَةً وَعَلَى الْآخَرِ حُكْمًا. اهـ. حَاشِيَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَجْرِيَ ذَلِكَ إلَخْ) قَالَ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ: