حِصَّةُ) الْوَاجِبِ (الْقَلِيلِ) فَلَوْ وَجَبَ دِينَارٌ وَالْعَاقِلَةُ كَثِيرٌ أُخِذَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ حِصَّتُهُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصِ أَحَدٍ لِشُمُولِ جِهَةِ التَّحَمُّلِ لَهُمْ وَفُهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ تَحَمُّلَ الْعَاقِلَةِ جَارٍ فِي بَدَلِ الْجِرَاحَةِ وَنَحْوِهَا وَلَوْ حُكُومَةً كَبَدَلِ النَّفْسِ وَوَجْهُ التَّقْدِيرِ بِالنِّصْفِ أَنَّهُ أَوَّلُ دَرَجَةِ الْمُوَاسَاةِ فِي زَكَاةِ الذَّهَبِ وَبِالرُّبْعِ أَنَّ مَا دُونَهُ تَافِهٌ بِدَلِيلِ عَدَمِ الْقَطْعِ بِهِ فِي السَّرِقَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يُعْتَبَرَ مِقْدَارُهُمَا لَا عَيْنُ الذَّهَبِ؛ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ يُصْرَفُ لِلْإِبِلِ الْوَاجِبَةِ وَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ لَا يَقْبَلَ غَيْرَهَا وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي عَلَى الْغَنِيِّ نِصْفُ دِينَارٍ، أَوْ سِتَّةُ دَرَاهِمَ لِمُقَابَلَةِ الدِّينَارِ عِنْدَنَا بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَمَا اُعْتُبِرَ بِهِ الْغِنَى وَالتَّوَسُّطُ مِمَّا مَرَّ
قَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ وَضَبَطَهُمَا الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ بِالْعَادَةِ وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُتَوَسِّطِ عَلَى الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ الْفَاضِلُ عَنْ حَاجَتِهِ فَوْقَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ وَهُوَ رُبْعُ دِينَارٍ لِئَلَّا يُرَدَّ بِأَخْذِهِ مِنْهُ إلَى حَدِّ الْفَقْرِ، وَقَدْ يُقَاسُ بِهِ الْغِنَى لِئَلَّا يُرَدَّ إلَى حَدِّ التَّوَسُّطِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمُتَوَسِّطَ مِنْ أَهْلِ التَّحَمُّلِ بِخِلَافِ الْفَقِيرِ وَاعْتُبِرَ الْغَنِيُّ وَالْمُتَوَسِّطُ بِآخِرِ السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْأَدَاءِ فَلَا يُؤَثِّرُ الْغِنَى وَضِدُّهُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ فَلَوْ أَيْسَرَ آخِرَهَا لَمْ يُؤَدِّ، ثُمَّ أَعْسَرَ ثَبَتَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ أَمَّا الْفَقِيرُ فِي آخِرِهَا فَلَا يُحْتَمَلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمُوَاسَاةِ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهَا كَالْأُجْرَةِ لِسُكْنَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْأَصْلُ فِي تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي وَفِيهِمَا أَنَّ امْرَأَتَيْنِ اقْتَتَلَتَا فَحَذَفَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةُ عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا أَيْ: الْقَاتِلَةِ» وَقَتْلُهَا شِبْهُ عَمْدٍ فَثُبُوتُ ذَلِكَ فِي الْخَطَإِ أَوْلَى وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَبَائِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَقُومُونَ بِنُصْرَةِ الْجَانِي مِنْهُمْ وَيَمْنَعُونَ أَوْلِيَاءَ الدَّمِ أَخْذَ حَقِّهِمْ فَأَبْدَلَ الشَّرْعُ تِلْكَ النُّصْرَةَ بِبَذْلِ الْمَالِ وَخَصَّ تَحَمُّلَهُمْ بِالْخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَكْثُرُ لَا سِيَّمَا فِي مُتَعَاطِي الْأَسْلِحَةِ فَحَسُنَتْ إعَانَتُهُ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِمَا هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ وَأُجِّلَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ رِفْقًا بِهِمْ وَسُمُّوا عَاقِلَةً لِعَقْلِهِمْ الْإِبِلَ بِفِنَاءِ الْمُسْتَحِقِّ وَيُقَالُ: لِمَنْعِهِمْ عَنْ الْقَاتِلِ وَالْعَقْلُ الْمَنْعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْعَقْلُ عَقْلًا لِمَنْعِهِ مِنْ الْفَوَاحِشِ
(مِمَّنْ حَسَّنَا وَلِيَّ نِكَاحٍ) بَيَانٌ لِمَنْ يَتَحَمَّلُ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ وَالْغَنِيِّ أَيْ: يُؤْخَذُ الْوَاجِبُ مِنْهُمَا إذَا كَانَا مِمَّنْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا فِي النِّكَاحِ لِمَنْ جَنَى (بِفَرْضِ مَنْ جَنَى أُنْثَى) فَيُؤْخَذُ مِنْ أَعْمَى وَزَمِنٍ وَمَرِيضٍ لَا مِنْ امْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ وَرَقِيقٍ وَلَوْ مُبَعَّضًا وَخُنْثَى وَمُرْتَدٍّ وَغَيْرِ مُرْتَدٍّ عَنْهُ وَمُسْلِمٍ عَنْ كَافِرٍ وَعَكْسُهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ لِلنُّصْرَةِ وَلِعَدَمِ الْوِلَايَةِ؛ وَلِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَمْلِكُ وَالْمُكَاتَبُ وَإِنْ مَلَكَ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمُوَاسَاةِ فَلَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ امْرَأَةً لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهَا بَلْ مِنْ عَصَبَاتِهَا الَّذِينَ يَتَحَمَّلُونَ الدِّيَةَ عَنْهَا إذَا جَنَتْ كَمَا أَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ أَهْلًا لِلتَّزْوِيجِ يُزَوِّجُ عَتِيقَتَهَا مَنْ يُزَوِّجُهَا وَلَوْ بَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا فَهَلْ يَغْرَمُ حِصَّتَهُ الَّتِي أَدَّاهَا غَيْرُهُ؟ وَجْهَانِ قَالَ النَّوَوِيُّ: لَعَلَّ أَصَحَّهُمَا نَعَمْ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ السُّلَمِيُّ فِي كِتَابِ الْخَنَاثَى لَهُ وَصَحَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: بَلْ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ لِبِنَاءِ التَّحَمُّلِ عَلَى الْمُوَالَاةِ وَالْمُنَاصَرَةِ الظَّاهِرَةِ وَقَدْ كَانَ هَذَا فِي سِتْرِ الثَّوْبِ كَالْأُنْثَى فَلَا نُصْرَةَ بِهِ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ نَظَرًا لِلظَّاهِرِ وَالْأَوَّلُ نَظَرًا لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSسِتَّةُ إخْوَةٍ مَثَلًا ثَلَاثَةٌ أَغْنِيَاءُ وَثَلَاثَةٌ مُتَوَسِّطُونَ وُزِّعَ ثُلُثَا الدِّينَارِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَثُلُثُهُ عَلَى الْمُتَوَسِّطِينَ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ مِثْلَا الرُّبُعِ هَذَا مُرَادُهُمْ فِيمَا يَظْهَرُ بِرّ. (قَوْلُهُ: فَوْقَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ) فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ دُونَ الرُّبْعِ اُشْتُرِطَ أَنْ يَمْلِكَ الرُّبُعَ، أَوْ دُونَهُ بِحَيْثُ يَفْضُلُ عِنْدَهُ شَيْءٌ بَعْدَ أَدَاءِ الْوَاجِبِ، وَإِنْ قَلَّ بِرّ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُرَدَّ بِأَخْذِهِ مِنْهُ إلَخْ) فِيهِ بَحْثٌ إذْ رَدُّهُ إلَى حَالِ الْفَقْرِ إنَّمَا يَمْنَعُ الْأَخْذَ مِنْهُ بَعْدَ الرَّدِّ، وَذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا قَبْلَ الرَّدِّ فَهَلَّا أَخَذَ مِنْهُ ثُمَّ إذَا صَارَ فَقِيرًا تَرَكَ الْأَخْذَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إنْ اسْتَمَرَّ فَقِيرًا فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: بِمَا هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ) قَدْ يُقَالُ: هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي شِبْهِ الْعَمْدِ لِقَصْدِهِ الْفِعْلَ الْمُمْتَنِع إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَا أُتِيَ بِهِ مِمَّا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَانَ الْقَتْلُ غَيْرَ مَقْصُودٍ لَهُ، أَوْ فِي حُكْمِهِ فَكَانَ مَعْذُورًا مِنْ حَيْثُ الْقَتْلُ لِعَدَمِ قَصْدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا مِنْ حَيْثُ أَصْلُ الْفِعْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: لَعَلَّ أَصَحَّهُمَا نَعَمْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَغْرَمُهَا لِلْمُسْتَحِقِّ لَا لِلْمُؤَدِّي، وَيَرْجِعُ الْمُؤَدِّي عَلَى الْمُسْتَحِقِّ. اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِئَلَّا يُرَدَّ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْفَقِيرَ هُوَ مَنْ لَا يَمْلِكُ زَائِدًا عَمَّا يَحْتَاجُهُ أَصْلًا (أَوْ يَمْلِكُ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ الدِّينَارِ) وَهُنَاكَ وَاسِطَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتَوَسِّطِ وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ بَعْدَ دَفْعِهِ زَائِدًا عَمَّا يَحْتَاجُهُ إلَى رُبْعِ دِينَارٍ وَلَا يَمْلِكُ زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ هَذَا الْكَلَامِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قَالَهُ سم فِي حَاشِيَةِ الْمَنْهَجِ مِنْ أَنَّهُمْ وَقَعُوا فِيمَا فَرُّوا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَسِّطَ عَلَى كَلَامِهِمْ صَادِقٌ بِمَنْ مَلَكَ زِيَادَةً عَلَى حَاجَتِهِ ثُلُثَ دِينَارٍ مَثَلًا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ مَنْ مَلَكَ ذَلِكَ إذَا دَفَعَ رُبْعًا عَادَ فَقِيرًا؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ دَفْعِهِ صَارَ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَلَكَ زَائِدًا عَنْ حَاجَتِهِ فَوْقَ رُبْعِ دِينَارٍ فَيَكُونُ فَقِيرًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ كَوْنُهُ مُتَوَسِّطًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ غَنِيًّا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا إذْ الْمُرَادُ بِالْفَقِيرِ وَغَيْرِهِ مَا هُوَ الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ اهـ.
؛ لِأَنَّ مَا خِيفَ الرَّدُّ إلَيْهِ الْفَقِيرُ بِمَعْنَى مَنْ لَا يَمْلِكُ بَعْدَ الدَّفْعِ زِيَادَةً عَنْ الْحَاجَةِ أَصْلًا لَا مَنْ يَمْلِكُهَا وَإِنْ كَانَ كُلٌّ خِلَافَ الْمُتَوَسِّطِ (قَوْلُهُ: فَخُذِفَتْ) بِخَاءٍ وَذَالٍ مُعْجَمَتَيْنِ اهـ.
شَرْقَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: غُرَّةٌ) يَجُوزُ قِرَاءَتُهُ بِالتَّنْوِينِ وَبِعَدَمِهِ مُضَافًا لِعَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ
(قَوْلُهُ: مِمَّنْ يَصْلُحُ) بِأَنْ يَكُونَ مُسْتَجْمِعًا لِشَرَائِطِ