يَقْتَضِي أَنَّهُمَا وَجْهَانِ نَقَلَهُمَا الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا بَحْثًا وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ بِالثَّانِي وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَحَكَاهُ عَنْهُ فِي الْمَطْلَبِ فِي الْقَسَامَةِ
وَمَثَّلَ النَّاظِمُ لِلضَّابِطِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ: (كَقَطْعِ كَفٍّ عَبْدِ غَيْرٍ فَعَتَقْ فَآخَرُ) قَطَعَ الْكَفَّ (الْأُخْرَى وَآخَرُ الْتَحَقْ رِجْلًا) مِنْ الْعَبْدِ فَقَطَعَهَا وَمَاتَ بِجِرَاحَاتِهِمْ الثَّلَاثَةِ فَعَلَيْهِمْ الدِّيَةُ ثَلَاثًا (لِسَيِّدٍ) مِنْهَا (أَقَلُّ تَأْدِيَهْ) أَيْ أَقَلُّ مَا يُؤَدَّى (مِنْ نِصْفِ قِيمَةٍ) لِلْعَبْدِ وَهُوَ أَرْشُ جِنَايَةِ الْمِلْكِ (وَمِنْ ثُلُثِ الدِّيَهْ) الْوَاجِبِ آخِرًا بِجِنَايَةِ الْمِلْكِ (وَإِنْ يَعُدْ قَاطِعُهُ فِي الرِّقِّ وَيَجْرَحْ) الْعَبْدُ (الْمَذْكُورَ بَعْدَ الْعِتْقِ) وَيَمُوتُ بِجِرَاحَاتِهِمْ الْأَرْبَعِ لَمْ يَجِبْ عَلَى قَاطِعِهِ فِي الرِّقِّ سِوَى ثُلُثِ الدِّيَةِ تَوْزِيعًا لَهَا عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ لَا عَلَى عَدَدِ جِرَاحَاتِهِمْ وَالثُّلُثُ مُوَزَّعٌ عَلَى جِرَاحَتَيْهِ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَلِهَذَا (كَانَ الْأَقَلُّ مِنْ سَدِيسِ مَا يَدِي) أَيْ: مِنْ سُدُسِ الدِّيَةِ (وَ) مِنْ (النِّصْفِ مِنْ قِيمَتِهِ لِلسَّيِّدِ)
، وَقَدْ تُغَلَّظُ دِيَةُ غَيْرِ الْعَمْدِ لِلتَّثْلِيثِ وَلِتَغْلِيظِهَا بِهِ أَرْبَعَةُ أَسْبَابٍ أَخَذَ فِي بَيَانِهَا فَقَالَ: (وَقَتْلُ مَنْ أَخْطَأَ فِي) قَتْلِ (ذِي رَحِمِ قُلْت مُنَاسِبٌ لِمُخْطٍ مَحْرَمِ) أَيْ: قَرِيبِ مَحْرَمٍ لِلْقَاتِلِ الْمُخْطِئِ يُوجِبُ مِائَةً مُثَلَّثَةً كَمَا سَيَأْتِي لِعِظَمِ حُرْمَةِ الرَّحِمِ لِمَا وَرَدَ فِيهِ (هَذَا) أَيْ: اعْتِبَارُ الْمَحْرَمِيَّةِ (هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُعْظَمِ) وَمِنْهُمْ الشَّيْخَانِ وَمُقَابِلُهُ لَا يَعْتَبِرُهَا وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَفَّالُ وَغَيْرُهُمَا وَخَرَجَ بِذِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمُ بِمُصَاهَرَةٍ، أَوْ رَضَاعٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ مُنَاسِبٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى ذِي رَحِمٍ (وَ) قَتْلُ مَنْ أَخْطَأَ فِي الْقَتْلِ فِي (حَرَمِ الْبَيْتِ) الَّذِي هُوَ حَرَمُ مَكَّةَ يُوجِبُ مِائَةً مُثَلَّثَةً وَإِنْ (أُصِيبَ) الْقَتِيلُ فِي الْحَرَمِ وَرُمِيَ مِنْ خَارِجِهِ (أَوْ رُمِيَ) مِنْ دَاخِلِهِ وَأُصِيبَ خَارِجَهُ كَمَا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَلَا يَضُرُّ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ خُرُوجُ الْجَرِيحِ فِي الْحَرَمِ مِنْهُ وَمَوْتُهُ خَارِجَهُ وَقَضِيَّةُ الْإِلْحَاقِ بِالصَّيْدِ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيِّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْضُ الْقَاتِلِ، أَوْ الْقَتِيلِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ، أَوْ قَطَعَ السَّهْمُ فِي مُرُورِهِ هَوَاءَ الْحَرَمِ وَهُمَا بِالْحِلِّ غُلِّظَتْ الدِّيَةُ قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ إلْحَاقَ ذَلِكَ بِالصَّيْدِ بَعِيدٌ وَأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِكَوْنِ الْقَتِيلِ، أَوْ الْجَرِيحِ فِي الْحَرَمِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ، أَوْ الْجَارِحُ فِيهِ، أَمْ لَا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ وَكَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ انْتَهَى.
وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا بُعْدَ فِي إلْحَاقِ ذَلِكَ بِالصَّيْدِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جِنَايَةٌ بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ وَذَاكَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَخَرَجَ بِالْحَرَمِ الْإِحْرَامُ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ عَارِضَةٌ غَيْرُ دَائِمَةٍ وَبِمَكَّةَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ صَيْدِهِ
(وَ) قَتْلُ مَنْ أَخْطَأَ فِي الْقَتْلِ فِي أَحَدِ أَشْهُرٍ (حُرُمٍ) ذِي الْقِعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَرَجَبٍ يُوجِبُ مِائَةً مُثَلَّثَةً وَلَا يَلْتَحِقُ بِهَا شَهْرُ رَمَضَانَ وَإِنْ كَانَ سَيِّدَ الشُّهُورِ؛ لِأَنَّ الْمُتَّبَعَ فِي ذَلِكَ التَّوْقِيفُ قَالَ تَعَالَى {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] وَالظُّلْمُ فِي غَيْرِهِنَّ مُحَرَّمٌ أَيْضًا وَقَالَ: تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: 217] (وَ) قَتْلُ (شِبْهِ عَمْدٍ) وَيُسَمَّى عَمْدَ الْخَطَإِ أَيْضًا وَهُوَ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَالضَّرْبِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا يُوجِبُ مِائَةً مُثَلَّثَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ مِمَّا مَرَّ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِذَلِكَ سَيَأْتِي بَيَانُ الْعَمْدِ وَحُكْمُهُ مِنْ تَغْلِيظٍ وَغَيْرِهِ وَيَجْرِي التَّثْلِيثُ أَيْضًا فِي أُرُوشِ الْجِرَاحِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَا يَجْرِي فِي الْحُكُومَاتِ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى أَقَلِّ الْأُرُوشِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ (نَظَّرَهْ) أَيْ: مَثَّلَ الْحَاوِي شِبْهَ الْعَمْدِ
(بِكُرْهِهِ) أَيْ: بِأَنْ أَكْرَهَهُ غَيْرُهُ (عَلَى صُعُودِ شَجَرَهْ) فَصَعِدَ فَزَلِقَ (فَمَاتَ فِي) وَفِي نُسْخَةٍ عَنْ (صُعُودِهِ بِالزَّلْقَهْ) وَقَوْلُهُ: (سِتِّينَ بَيْنَ جَذَعَةٍ وَحِقَّةٍ تَسَاوَيَا) بَدَلٌ مِنْ مِائَةٍ أَيْ: الْقَتْلُ بِأَحَدِ الْأَسْبَابِ الْأَرْبَعَةِ يُوجِبُ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ قَدْ تُثَلَّثُ سِتِّينَ مَقْسُومَةً نِصْفَيْنِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً (وَأَرْبَعِينَ خِلْفَهْ) وَفَسَّرَ الْخِلْفَةَ مِنْ زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ: (أَيْ: حَامِلًا) وَلَوْ قَبْلَ خَمْسِ سِنِينَ (بِقَوْلِ) عَدْلَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSالسَّيِّدِ كَيْ يَثْبُتَ لِلْوَارِثِ فِيهَا ذَلِكَ بَلْ نَقُولُ: حَقُّهُ ثَابِتٌ فِي عَيْنِ الدِّيَةِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ لِلْجَانِي دَفْعُ النَّقْدِ نَظَرًا إلَى أَنَّ مَا يَجِبُ سَبَبُهُ الْجِنَايَةُ حَالَ الرِّقِّ بِرّ
. (قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالضَّمَانِ) أَقُولُ: كَيْفَ ذَلِكَ مَعَ ضَمَانِ الصَّيْدِ بِالْإِحْرَامِ دُونَ التَّغْلِيظِ هُنَا؟ . كَذَا كَتَبَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ، وَكَانَ حَاصِلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَنَّ التَّغْلِيظَ هُنَا نَظِيرُ أَصْلِ الضَّمَانِ فِي الصَّيْدِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الصَّيْدِ الْإِبَاحَةُ وَالضَّمَانُ يَطْرَأُ لِلْحَرَمِ، أَوْ الْإِحْرَامِ، وَقَدْ ثَبَتَ ضَمَانُ الصَّيْدِ بِالْإِحْرَامِ دُونَ التَّغْلِيظِ هُنَا، وَهَذَا يُنَافِي أَوْلَوِيَّةَ مَا هُنَا بِالضَّمَانِ، وَيَقْتَضِي الْعَكْسَ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَيَجْرِي التَّثْلِيثُ أَيْضًا إلَخْ) وَطَرِيقُهُ النِّسْبَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ دِيَةَ النَّفْسِ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِهَا حِقَاقٌ، وَكَذَا جِذَاعٌ وَأَرْبَعَةُ أَعْشَارِهَا خِلْفَاتٌ فَيُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ النَّفْسِ الْكَامِلَةِ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ بِرّ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَقَلِّ الْأَرْشِ) اُنْظُرْ وَجْهَ التَّقْيِيدِ بِالْأَقَلِّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْحُكُومَةُ لَا تَزِيدُ عَلَى أَكْثَرِ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ قَدْ يَبْلُغُ دِيَةَ النَّفْسِ كَأَرْشِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَالْحُكُومَةُ لَا تَبْلُغُ دِيَةَ نَفْسٍ فَلْيُحَرَّرْ
(قَوْلُهُ: عَلَى صُعُودِ شَجَرَةٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي كَوْنِ ذَلِكَ شِبْهَ عَمْدٍ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الشَّجَرَةُ مِمَّا يُزْلَقُ عَلَى مِثْلِهَا غَالِبًا، وَأَنْ لَا تَكُونَ كَذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَالتَّقْيِيدُ بِأَنْ تَكُونَ مِمَّا يُزْلَقُ عَلَى مِثْلِهَا غَالِبًا وَإِلَّا فَهُوَ خَطَأٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، وَإِنْ جَزَمَ بِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ م ر
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَقَلُّ) أَيْ، أَوْ مَا يُسَاوِي (قَوْلُهُ: فَلِهَذَا إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ جَرَحَ جَرْحَتَيْنِ إحْدَاهُمَا فِي الرِّقِّ، وَالْأُخْرَى فِي الْحُرِّيَّةِ، وَالدِّيَةُ تُوَزَّعُ عَلَى حَسَبِ الرُّءُوسِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ نِصْفُهُ فِي مُقَابَلَةِ جِرَاحَةِ الرِّقِّ، وَالْآخَرُ فِي مُقَابَلَةِ جِرَاحَةِ الْحُرِّيَّةِ، وَالسَّيِّدُ إنَّمَا يَجِبُ لَهُ بَدَلُ مَا وَقَعَ فِي الرِّقِّ وَهُوَ نِصْفُ الثُّلُثِ اهـ.
ع ش
(قَوْلُهُ: أَيْ قَرِيبٌ مَحْرَمٌ) يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ قَتَلَ ابْنَ عَمٍّ هُوَ أَخٌ مِنْ الرَّضَاعِ، أَوْ بِنْتُ عَمٍّ هِيَ أُمُّ زَوْجَتِهِ فَإِنَّهُ لَا تَغْلِيظَ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ ذُو رَحِمِ مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ