فمن أراد العلم - كما يقول ابن مسعود - فليتفكر في القرآن (?).

ومن أجلِّ العلوم التي يختص بها القرآن: معرفة الله عز وجل.

يقول ابن رجب: فالعلم النافع ما عرَّف العبد بربه ودلَّه عليه، حتى عرفه ووحده وأنِس به، واستحيا من قربه وعَبَده كأنه يراه.

وكان السلف يقولون: إن العلماء ثلاثة: عالم بالله عالم بأمر الله، وعالم بالله ليس بعالم بأمره، وعالم بأمر الله ليس عالما بالله.

فأصل العلم العلم بالله الذي يوجب خشيته ومحبته والقرب منه، والأنس به والشوق إليه.

وكان الإمام أحمد رحمه الله يقول عن معروف الكرخي: معه أصل العلم، خشية الله.

ثم يتلوه العلم بأحكام الله، وما يحبه ويرضاه من العبد من قول أو عمل أو حال أو اعتقاد، فمن تحقق بهذين العلمين كان علمه علما نافعا، وحصل له العلم النافع والقلب الخاشع والنفس القانعة والدعاء المسموع، ومن فاته العلم النافع وقع في الأربع التي استعاذ منها النبي صلى الله عليه وسلم وصار علمه وبالا، وحجة عليه، فلم ينتفع به (?).

ففي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يُستجاب لها» (?).

فمن أراد العلم النافع فليبدأ بالقرآن ليعرف ربه من خلاله فيتحقق قلبه بالخشوع والانكسار له سبحانه، فإن انتقل بعد ذلك إلى تعلم أوامر الله وأحكامه صار من العلماء الربانيين.

قال كعب: علكيم بالقرآن فإنه فهم العقل ونور والحكمة وينابيع العلم، وأحدث الكتب بالرحمن عهدا (?).

ويقول مجاهد: استفرغ علمي القرآن (?).

فمن ينشغل بالقرآن، ويوقف حياته له، لن يندم على ذلك لحظة من اللحظات.

يقول القرطبي: فلما كان كتاب الله هو الكفيل بجميع علوم الشرع، الذي استقل بالسنة والفرض، ونزل به أمين السماء إلى أمين الأرض، رأيت أن أشتغل به مدى عمري (?).

وهذا الإمام ابن تيمية يُحال بينه وبين كتب العلم في محبسه بالقلعة فيتفرغ للقرآن، ليقول عن هذه التجربة: قد فتح الله علي في هذا الحصن في هذه المرة من معاني القرآن، ومن أصول العلم بأشياء كان الكثير من العلماء يتمنونها، وندمت على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن (?).

سادسا: العصمة من الفتن:

في هذا الجو المظلم الذي نعيش فيه، ومع ازدياد الفتن يحتاج المرء على ما يستمسك به، ويأخذ بيده إلى بر الأمان، وهنا يأتي دور القرآن، فعندما سأل حذيفة بن اليمان رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبعد هذا الخير الذي نحن فيه من شر نحذره؟ قال له صلى الله عليه وسلم: «يا حذيفة عليك بكتاب الله فتعلمه واتبع ما فيه» حتى قال ذلك ثلاث مرات (?).

ولقد رأي حذيفة في يوم من الأيام كثرة من الناس فقال لأحد التابعين وهو عامر بن مطر: يا عامر ابن مطر، كيف أنت إذا أخذ الناس طريقًا واحدا، وأخذ القرآن طريقا، مع أيهما تكون؟ قلت: أكون مع القرآن وأموت معه وأحيا معه. قال: فأنت إذا أنت، أنت إذا أنت (?).

فعلى قدر تمسكنا بالقرآن واتصالنا الدائم به تكون نجاتنا بإذن الله عز وجل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015