يقول ابن القيم في تعليقه على هذا الحديث: ولمَّا كان الحزن والهم والغم يضاد حياة القلب واستنارته، سأل أن يكون ذهابها بالقرآن فإنها أحرى ألا تعود، وأما إذا ذهبت بغير القرآن من صحة أو دنيا أو جاه أو زوجة أو ولد فإنها تعود بذهاب ذلك (?).
فكلما ازداد اقتراب المرء من القرآن، ازداد شعوره بالأمان والسكينة.
قال عبد الله بن مسعود: إن هذا القرآن مأدبة الله في الأرض فمن دخل فيه فهو آمن (?).
يمثل الإيمان جهاز المناعة لقلب الإنسان، ففي حالة زيادته يستطيع القلب أن يقاوم ضغوط النفس فيما تطلبه من شهوات، وفي حالة نقصانه يضعف القلب ويستسلم لها في كثير من الأحيان.
والشهوات تُحيط بالإنسان ليلا ونهارا، وبخاصة في عصر كالذي نحيا فيه، والمسلم بحاجة دائمة لزيادة إيمانه، وأفضل طريق لذلك هو القرآن بتذكرته المستمرة، وبمواعظه البليغة التي تضرب بقوة على المشاعر فتؤججها وتوجهها وتسمو بها فوق الشهوات.
قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2].
فالقرآن إذن منبع عظيم من منابع الإيمان يفيض على كل من يرده.
قال محمد بن كعب القرظي في قوله تعالى: {إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ} [آل عمران: 193]. قال: هو القرآن، ليس كلهم رأى النبي صلى الله عليه وسلم (?).
والقرآن مُقوٍّ للإرادة والعزيمة يمنح صاحبه طاقة هائلة، وما عليه فقط إلا أن يُحولها إلى حركة إيجابية فيما يُحبه الله عز وجل.
يقول ابن القيم: فالقرآن مزيل للأمراض الموجبة للإرادات الفاسدة، فيصلح القلب، وتصلح إرادته، ويعود إلى فطرته التي فطر الناس عليها فتصلح أفعاله الاختيارية الكسبية، كما يعود البدن بصحته وصلاحه إلى الحال الطبيعي، فيصير بحيث لا يقبل إلا الحق، كما أن الطفل لا يقبل إلا اللبن الذي تعود عليه (?).
مع استمرارية التعامل الصحيح مع القرآن يظل المسلم في حالة دائمة من اليقظة والتذكر لحقائق الإيمان وجوانب الهداية ..
ففي كل مرة نقرأ فيها القرآن سنجد آيات تُعرفنا بالله عز وجل وبحقوقه علينا، وحقوق بعضناعلى بعض، وبالرسول صلى الله عليه وسلم وبالرسالة، وتعرفنا بأنفسنا وجوانب ضعفها وكيف نزكيها، وسنجد كذلك آيات تُذكِّرنا بعداوة الشيطان وكيده المستمر لنا، وفي كل جلسة مع القرآن سنجد قصة وجودنا على الأرض تطل علينا وتُذكرنا بالدنيا وقيمتها، وبحقيقة وجودنا فيها ومدى علاقتنا بمفرداتها من زوجة وأولاد ومال و ....
وقلما سنخرج بعد لقائنا بالقرآن دون تذكر بيوم الحساب وأحداثه، وبالجنة ونعيمها، والنار وألوان عذابها.
أما السنن والقوانين الإلهية التي يحكم الله بها الحياة فما أكثرها في القرآن، وكذلك الحديث عن المكذبين وما يُثيرونه من شبهات وتشخيص دوافعهم للتكذيب، والمآل الذي ينتظرهم إن استمروا على ذلك.
وفي مساحة ضخمة من القرآن سنجد قصص السابقين من مؤمنين وكافرين، يقصها الله علينا ويكررها في مواضع كثيرة لنأخذ منها العبرة ونربط بينها وبين واقعنا، فتزداد يقينا بأن الباطل إلى زوال والعاقبة للمتقين.
يقول تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89].