وكذلك فإن فروع العلوم الإسلامية الأخرى على درجة كبيرة من الأهمية، وسيكون لها أثر فعال في تكوين الفرد إذا ما تم ربطها بالقرآن، ومع ذلك فإن من الأفضل تخصيص أكبر وقت للقرآن وبخاصة في البداية، ليأخذ فرصته في إعادة تشكيل العقل وبناء اليقين الصحيح فيه، وتحرير القلب من الهوى، وتمكين الإيمان منه، وترويض النفس على لزوم الصدق والإخلاص.

حاجة الفرد إلى القرآن:

إن كان القرآن هو الحل، ونقطة البداية التي ينبغي أن نبدأ بها على مستوى الأمة للخروج من هذا النفق المظلم الذي تسير فيه، فإن المسلم كذلك بحاجة ماسة إلى القرآن على مستواه الفردي وفي كل زمان ومكان .. في ليله ونهاره، وحله وترحاله، وحتى بعد أن يعود للمسلمين عزهم ومجدهم بإذن الله، وذلك لدواع كثيرة منها:

أولا: تحقيق الربانية:

فمن معاني الربانية: القرب إلى الله، وحسن الصلة به، وطريق التحقق بها يستلزم معرفة الله عز وجل، فعلى قدر هذه المعرفة تكون عبودية القلب له سبحانه من حب وخشية ورجاء وتوكل وإنابة وإخلاص.

والطريق السهل الآمن لتلك المعرفة هو القرآن، فمن أهم سماته أنه كتاب تعريف بالله عز وجل، ولا يكتفي بذلك بل إنه يُنشئ في القلب العبودية المصاحبة لهذه المعرفة، فالقرآن هو أفضل وسيلة لتحقيق الربانية، فهو حبل الله المتين الممدود بين السماء والأرض، من تعلق به ارتفع قلبه إلى السماء وصار من عباد الله المقربين.

ويؤكد هذا قوله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79].

وفي هذا المعنى يقول خباب بن الأرت لجار له: يا هناه، تقرب إلى الله ما استطعت، واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيئ هو أحب إليه من كلامه (?).

وفي الترمذي عن أبي أمامة مرفوعا: «ما تقرب العباد إلى الله عز وجل بمثل ما خرج منه» (?).

ثانيا: تحقيق السعادة:

السعادة هي سكون النفس، وطمأنينتها، وهدوء الخواطر لديها، فلا تفكير في ماض يبعث على الحزن، ولا تطلع لمستقبل يزيد الهم، والسعادة بهذا المعنى لا يمكن أن تأتي للإنسان من خارجه، بل إن مبعثها من داخل ذاته كنتيجة من نتائج هدايته للسلام مع نفسه، ومع كل الدوائر التي يتحرك فيها.

من هنا يأتي دور القرآن ..

يقول تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 123، 124].

قال ابن عباس: فضمن الله لمن اتبع القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة.

وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أصاب مسلما قط هم أو حزن فقال: اللهم إنى عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته فى كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به فى علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور بصري وجلاء حزني وذهاب غمي إلا أذهب الله تعالى همه وأبدله مكان حزنه فرحا» (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015