من هنا يتبين لنا أن الأمة الإسلامية بشبابها وشيوخها .. برجالها ونسائها لو اتجهت إلى القرآن دراسة وفهمًا، وأصغت سمعها إليه، وتعاملت معه على أنه كتاب هداية، فإن هذا من شأنه أن ينشئ قاسمًا مشتركًا بين أفرادها للتصور الصحيح لمفردات الحياة ..
عندئذ لن نختلف فيما بيننا حول النظرة إلى الدنيا أو المال أو الأولاد .. ولن نجادل كثيرًا حول مفهوم الجهاد والدعوة إلى الله .. سنجتمع على الكليات، ونعرف كيف نرتب الأولويات.
مع هذه القدرة الفذة للقرآن في التغيير، فإن طريقته ومنهجه سهل وميسر للجميع كما قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17].
لا يحتاج إلى طقوس خاصة أو أماكن خاصة للتعامل معه، فيكفي أن تتوضأ وتمد يدك إليه لتقرأه في أي وقت وأي مكان طاهر.
منهج ينسجم مع الطبيعة البشرية، وما فيها من ضعف واحتياجات، فتراه لا يُصادم الفطرة ولا يدعو من يتمسك به إلى ترك الدنيا، بل يدفعه إلى حُسن التعامل معها، فأهل القرآن هم أسعد الناس في الدنيا والآخرة.
ومن سمات التغيير القرآني كذلك أنه تغيير متكامل لا يهتم بجانب على حساب آخر، فكما يهتم بحسن علاقة المرء بربه، يهتم كذلك بحسن علاقته مع من حوله.
ليس معنى القول بأن القرآن هو الحل أن يتحرك كل واحد بمفرده مع القرآن، فواقع الأمة يستدعي التحرك الجماعي لمواجهة مشروع الإبادة ومحو الشخصية الذي يعمل أعداؤنا على تنفيذه.
إن أعداءنا قد اجتمعوا علينا، وتوحدت كلمتهم في القضاء على مقومات حضارتنا فليس أقل من أن نكون مثلهم في توحدنا واجتماع كلمتنا.
يقول تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 73].
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن حجم الانحراف الذي حدث للأمة أكبر بكثير مما يتصوره البعض .. كل هذا يستدعي تضافر الجهود، والتحرك الجماعي لا التحرك الفردي الذي يُبعثر الجهود ويشتتها.
ومن ناحية ثالثة فإن الواحد بمفرده لن يسعه أن يتحرك بالقرآن منفردًا منعزلًا، لأن آيات القرآن نفسها ستلاحقه بوجوب التحرك الجماعي وبناء المجتمع الإيماني والانصهار في بوتقته.
هذا التحرك الجماعي يحتاج إلى جيل يقود الأمة لمواجهة ما يُراد لها، ويسعى للتمكين لدين الله في الأرض وإعادة المجد الإسلامي من جديد.
فإن قال قائل: فأين موقع القرآن من هذا الجيل؟
نُجيبه بأن هذا القرآن هو منهج هذاالجيل في التغيير: تغيير ما بالنفوس، وإقامة الإسلام داخلها، وقيادة الناس بالقرآن.
يقول الأستاذ حسن الهضيبي رحمه الله: أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم على أرضكم.
لابد أن يتشبع هذا الجيل بالقرآن، فيملك عليه فكره وخواطره، ويستضيء قلبه بنوره، فيجد فيه الناس النموذج والقدوة، فيثقون به ويسيرون خلفه.
ولكن هل معنى هذا ترك القراءة والاطلاع في مؤلفات العلماء والباحثين؟
ليس معنى الاهتمام بالقرآن واتخاذه منهجا للتغيير أن نترك كتابات العلماء وما فيها من خير عظيم، ولكن المقصد ألا تكون قبل القرآن، بل خادمة له، تدور في فلكه .. توسع المدارك، وتفتح الآفاق لفهمه أكثر واكثر.
ويأتي على رأس تلك العلوم: السنة النبوية المطهرة والتي تلي القرآن مباشرة في الأهمية، فهي شارحة له، مبينة لكثير مما أُجمل فيه.