- والقرآن قادر - بإذن الله - على طرد الهوى وحب الدنيا من القلب، وطريقته الفريدة في ذلك: زيادته المستمرة للإيمان، وتوليده طاقة كبيرة في نفس قارئه تدفعه للقيام بالطاعات ومقاومة الشهوات والسمو فوقها.
- وبالقرآن تتحقق الذاتية والإيجابية لدى الأفراد، فالقوة الدافعة، والطاقة المتولدة من القرآن وبصورة يومية تمثل أكبر دافع للمسارعة إلى الخيرات، وتنفيذ النصائح والتوجيهات التي تلقى على المسامع لتصبح واقعا ملموسا، دون الحاجة إلى شدة المتابعة، وهذا ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم مع صحابته الكرام، فكان يكفيه التوجيه ليسارع الجميع بالتنفيذ، فعندما بلغ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قول النبي صلى الله عليه وسلم في شأنه «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل» (?)، قال سالم: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا.
- وعندما قال صلى الله عليه وسلم لعلي وفاطمة رضي الله عنهما: «ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشكما، فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعًا وثلاثين» (?)، قال علي: فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له: ولا ليلة صفين، قال: ولا ليلة صفين (?).
- وبالقرآن نتحرى الصدق والإخلاص في أقوالنا وأفعالنا، فنزهد في الرئاسة، وحب الظهور، وبه نكف عن تزكية أنفسنا والمباهاة بإنجازاتها، فتصبح سريرتنا أفضل من علانيتنا (?).
- وسيعيد لنا القرآن الشعور بالعزة المفقودة في زمن الهزيمة النفسية .. منطلق هذه العزة: الشعور بقيمة الانتساب إلى الله عز وجل وحسن الصلة به، ومبعثها كذلك الثقة به سبحانه وتعالى.
- والقرآن يستثير كوامن العقل، ويحرره من أسر التقليد الأعمى، ويضبط هذا التحرر بضوابط الشرع. وهو أيضا يرفع قدره، ويعرفه قيمته في الكون، فينطلق إليه ليكتشف أسراره، وينتفع بقوانين تسخيره، ليبدأ علو المسلمين من جديد في شتى المجالات ويكون لهم قصب السبق كما كانوا من قبل.
القرآن هو الكتاب الوحيد القادر على جمع كلمة الأمة مصداقًًََََََا لقوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 103].
فحبل الله هو القرآن كما قال ابن مسعود وغيره.
ومن وسائل القرآن في تجميع كلمة الأمة، بناؤه لوحدة التصور لدى أفرادها، فهو قادر - بإذن الله - على رسم خريطة الإسلام الصحيحة في ذهن كل مسلم بنسبها الصحيحية دون تفريط أو إفراط، لتنطلق الأعمال بعد ذلك منسجمة مع هذا التصور، فتتوحد الجهود، ويقل الخلاف - إن لم يتلاش - في الأمور الجوهرية، ويضيق في الأمور الفرعية ليصبح خلافًا محمودًا مرغوبًا يهدف إلى رفع الحرج عن الناس.
يقول سيد قطب رحمه الله: إننا نعتقد - بالدراسة الطويلة - أن هذا القرآن فيه غناء في بيان الحقائق التي يقوم عليه التصور الإسلامي، فلا يحتاج إلى إضافة من خارجه في هذا البيان ..
ويستطرد قائلًا: ونحن نحب أن يتعود قارئ هذا البحث أن يلجأ إلى القرآن وحده، ليجد فيه تبيانًا لكل شيء (?).