والأمر اللافت للانتباه أنه كلما نزلت بالمسلمين نازلة، وأصابهم جرح جديد تعالت الأصوات من هنا وهناك بأن هذا عقاب من الله عز وجل قد حاق بنا، وهذه هي الحقيقة بالفعل، فما حدث للأمة ما هو إلا تطبيق لسنن الله الحاكمة للأرض.
قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال: 53].
ولما بدأنا بالتغيير كان هذا الواقع الذي نشكو منه، فالله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس: 44].
لقد تمثل فينا قول رسولنا صلى الله عليه وسلم: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» (?).
نعم، هذا هو التشخيص الصحيح للوضع الأليم الذي يعيشه العالم الإسلامي اليوم، فمن ارتكب الذنب لا ينبغي عليه أن يستغرب العقوبة.
قال تعالى: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» [الروم: 41].
فإن كان الأمر كذلك، فإن هذا العذاب الذي نتجرعه بالليل والنهار لن يتوقف إلا إذا رجعنا إلى الله عز وجل، وغيرنا ما بأنفسنا تغييرا حقيقيا يشمل التصورات والسلوك، والسر والعلن فنكون من بعده عبيدا لله عز وجل في كل أمورنا وأحوالنا، ويتمثل فينا قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].
إن وعد الله لا يتخلف، ولقد وعد عباده بنصرتهم وتمكينهم في الأرض إن هم نصروه على أنفسهم أولا.
قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].
إذن فلا بديل أمامنا إلا البدء في عملية التغيير الداخلي لذواتنا إن أردنا الفلاح لأنفسنا والعز لأمتنا.
فإن قلت: إننا جميعا متفقون على هذا التشخيص، ولكن ما منهج هذا التغيير المنشود الذي يتفق عليه الجميع، وما الكيفية التي من خلالها يقوم هذا المنهج بعمله في ذات الإنسان فيحدث فيه تغييرا جذريا، ويعيد صياغته من جديد؟
هذه التساؤلات تتردد هنا وهناك، والكل يظن أن الأمر صعب يحتاج إلى بذل الكثير من الجهد لوضع المنهج المناسب لعملية التغيير .. إن الأمر أبسط من ذلك بكثير، فالله عز وجل وهو الرؤوف الرحيم لم يتركنا لنتخبط أو لنختلف فيما بيننا حول منهج التغيير، بل أرشدنا - سبحانه وتعالى إلى هذا المنهج، وبين لنا فيه طريقته في التغيير.
أعطانا المصباح الذي بنوره ينكشف لنا الطريق، وتتبدد الظلمات .. وصف لنا الدواء الذي يعالج كل ما نعاني منه من أدواء .. فماذا فعلنا بهذا المصباح وبذلك الدواء؟!
لقد طرحنا المصباح جانبا، وأهرقنا الدواء، ثم اخذنا نبكي ونقول: أين الطريق؟
لقد انطبق حالنا مع قول الشاعر:
كالعيس في البيداء يقتلها الظما ... والماء فوق ظهورها محمول