وظل عمر بن الخطاب يردد الفاتحة في ليلة لا يزيد عليها حتى أصبح (?).

وقرأ عامر بن قيس ليلة سورة المؤمن فلما انتهى إلى قوله: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} [غافر: 18]، فلم يزل يرددها حتى أصبح (?).

6 - ومن وصاياهم: عدم التعمق في إقامة حروف القرآن:

أخرج ابن الضريس في فضائل القرآن عن الحارث بن قيس قال:

كنت رجلا في لساني لُكنة، وكنت أتعلم القرآن فقيل لي: ألا تعلم العربية قبل أن تعلم القرآن! فذكرت ذلك لعبد الله بن مسعود وقلت: إنهم يضحكون مني، ويقولون: تعلم العربية قبل أن تعلم القرآن، فقال: لا تفعل، فإنك في زمان تحفظ فيه حدود القرآن، وإن بعدك زمانا تحفظ فيه الحروف وتُضيع فيه الحدود (?).

وكأن ابن مسعود يريد أن يلفت الانتباه إلى أن الجهد الأكبر ينبغي أن ينصب في اتجاه المعنى وما يحدثه في القلب وليس في اتجاه إقامة الحروف، وليس معنى هذا إهمال هذا الأمر، ولكن وضعه في حجم معقول يتناسب مع أهميته، فشكل العبادة - أي عبادة - مهم وضروري للدخول على الله بها، ولا قيمة لعبادة تؤدى بشكل مبتدع، ولكن مع الاهتمام بالشكل ينبغي أن يكون الاهتمام الأكبر والأشمل لجوهر العبادة وروحها وما تحدثه في القلب.

وفي هذا المعنى يقول حذيفة: أقرأ الناس للقرآن منافق يقرأه، ولا يترك منه واوا ولا ألفا يلفته بلسانه، كما تلفت البقرة الخلا بلسانها لا يجاوز ترقوته (?).

وتامل ما قاله فضالة بن عبيد الأنصاري لأبي سكينة: خذ هذا المصحف وامسك عليّ ولا تردَّن عليّ ألفا ولا واوا فإنه سيكون قوم يقرأون القرآن لا يسقطون منه ألفا ولا واوا ثم رفع فضالة يده، فقال: اللهم لا تجعلني منهم (?).

وهذا عبد الله بن مسعود يصف زمانه ويقارنه بأزمان أخرى فيقول: إنك في زمان قليل قراؤه كثير فقهاؤه .. تحفظ فيه حدود القرآن، وتضيع حروفه .. قليل من يسأل .. كثير من يعطي .. يطيلون فيه الصلاة ويقصرون فيه الخطبة .. يبدون فيه أعمالهم قبل أهوائهم .. وسيأتي على الناس زمان كثير قراؤه، قليل فقهاؤه، تحفظ فيه حروف القرآن، وتضيع حدوده كثير من يسأل، قليل من يعطي، يطيلون الخطبة، ويقصرون الصلاة، ويبدون أهواءهم قبل أعمالهم (?).

ولقد قرأ رجل عند عمر بن عبد العزيز سورة، وعنده رهط .. قال بعض القوم: لحن. فقال عمر: أما كان فيما سمعت ما يشغلك عن اللحن (?).

7 - ومن وصاياهم: اترك نفسك للقرآن وتمسك به:

عن أبي قلابة أن رجلا من أهل الكوفة لقي أبا الدرداء فقال: إن إخوانا لك من أهل الكوفة يقرئونك السلام، ويأمرونك أن توصيهم. فقال: أقرئهم السلام ومُرهم فليعطوا القرآن بخزائمهم فإنه يحمل على القصد والسهولة ويُجنِّبهم الجور والحزونة (?).

والخزائم جمع خزامة وهي حلقة من الشعر توضع في وترة أنف البعير يشد بها الزمام ..

والمراد: أي اجعلوا القرآن مثل الخزام في أنف أحدكم فاتبعوه واعملوا به.

وهذه الوصية من أهم الوصايا التي قيلت في القرآن، فمن ترك نفسه للقرآن ليقوده ويوجهه فسيحظى بالطريق السهل الآمن الذي لا تشدد فيه ولا تعسف .. طريق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015