وفيها نتدارس أسباب هلاك الأمم كعاد وثمود وقوم لوط وبني إسرائيل، ولماذا فضلهم الله على العالمين فترة من الفترات؟ ثم غضب منهم وجعل منهم قردة وخنازير؟ وغير أولئك من الأمم التي حكى عنها القرآن.
وفيها نتعرف على الكون المحيط بنا، ونتذكر قصة وجودنا على الأرض، ويوم الحساب والجزاء، ومن خلالها نبحث عن واجبات العبودية وحقوق الله علينا، وحقوق العباد بعضهم على بعض .. ولا نقوم منها إلا وقد خرجنا بدروس مستفادة وواجبات عملية نعمل على الالتزام بها.
مما لا شك فيه أن حفظ القرآن من معينات تدبره، ولِم لا وهو مع صاحبه أينما كان، يستدعيه في أي لحظة ليتلوه، ويقف عند معانية، ويدخل إلى مأدبته، يستشهد به في دعوته للناس وحركته بينهم، ويترنم بآياته، ويعيش معها، ويقف بين يدي الله عز وجل.
إنها نعمة عظيمة، ومرتبة عالية، تمنح صاحبها شرفا كبيرا في الدنيا والآخرة.
أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن أن نافع بن الحارث الخزاعي تلقى عمر بن الخطاب بعسفان، وكان عمر استعمله على مكة، فسلم على عمر، فقال له: من استخلفت على البوادي؟ استخلفت عليهم يا أمير المؤمنين ابن أبزى، قال عمر: ومن ابن أبزى؟ فقال نافع: هو من موالينا، فقال عمر: استخلفت عليهم مولى؟! فقال: يا أمير المؤمنين إنه قارئ لكتاب الله تعالى، عالم بالفرائض، فقال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين» (?).
ومع هذا الفضل الكبير لحامل القرآن ينبغي ألا يغيب عن أذهاننا مدلول ما يحمله هذا الاسم، كما نقله إلينا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومر علينا في صفحات هذا الكتاب، فهم أدرى الناس بصورة التعامل الصحيحة مع القرآن وكيفية حفظه.
إننا جميعا - بلا استثناء - نشهد أن جيل الصحابة هو أفضل جيل ظهر على الأرض في تاريخ الأمة الإسلامية، ونشهد كذلك بأن المنهج الذي صنعهم ورفعهم إلى هذه المرتبة هو القرآن، فلماذا لا نتعامل معه كما تعاملوا؟!
تُرى ما الذي يحدث لو حذونا حذوهم في طريقة تعلمهم وحفظهم للقرآن؛ فنبدأ بتعلم الإيمان قبل القرآن، فستخرج من الآيات التي نريد حفظها ما فيها من جوانب الهداية ثم نستخلص منها واجبات عملية نلتزم بها في حياتنا قدر المستطاع؟
قد يقول قائل: إننا بذاك سنمكث فترة طويلة في حفظ السورة.
نعم سيحدث ذلك، ولكن ما الضرر الذي سيقع علينا، وما النفع الذي سيفوتنا إن حدث ذلك؟
ألم يكن هذا هو هدي الصحابة في حفظ القرآن؟
إن حمل القرآن ليس بتعلم حروفه وحفظها فقط، بل بتعلم حروفه ومعانيه جميعا- كما يقول ابن تيمية - بل تعلم معانيه هو المقصد الأول من تعلم حروفه، وذلك الذي يزيد الإيمان كما قال جندب بن عبد الله، وعبد الله بن عمر وغيرهما: «تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانا، وأنتم تعلمتم القرآن ثم تتعلمون الإيمان» .. ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة (?).
فلنحفظ القرآن بهذه الطريقة، ولا نستعجل إنهاء السورة فيكفي عشر آيات نتعلمها ونعيش معها ونطبق ما فيها قدر المستطاع ثم ننتقل إلى العشر التي تليها.
عن الحسن قال: مات عمر ابن الخطاب ولم يجمع القرآن، قال: أموت وأنا في زيادة أحب إليّ أن أموت وأنا في نقصان .. قال الأنصاري: يعني نسيان القرآن (?).