أخرج ابن أبي داود في كتابه (المصاحف) عن ابن أبي مليكة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤمها غلامها ذكوان في المصحف في الصلاة (?).
وعن الحسن أنه كان يعجبه إذا كان مع الرجل ما يقرأ، أن يردده، ويؤم به في رمضان، وإن لم يكن معه شيء أن يقرأ في المصحف (?).
وعن عطاء أنه كان لا يرى بأسا أن يقرأ في المصحف في الصلاة (?).
السيرة النبوية هي التطبيق العملي للقرآن، ودراستنا للسيرة من هذا المنطلق تزيد من فهمنا للقرآن، وتفتح لنا آفاقا جديدة لفهم ومعايشة القرآن.
كذلك فإن معرفة أسباب النزول تؤدي إلى نفس المعنى، فهي تعد بمثابة نماذج تطبيقية للآيات، وتعين كذلك على استشعار الظروف التي نزلت فيها فيقوي التعايش والتفاعل معها، ومن ثم التأثر بها والاستفادة منها.
القرآن الكريم كفيل - بإذن الله - أن يُحدث التوازن المطلوب في شخصية المسلم إذا ما أقبل عليه بروح الشغوف الباحث عن الهداية، وسيكون له عاصما من الزلل، وسيفسر بعضه بعضا، فما يجمله في مكان يفصله في مكان آخر، وسيصحح له - بدوام قراءته وتدبره - أي مفهوم خاطئ قد يتطرق إلى عقله، فأغلب آيات القرآن واضحة يسهل فهمها، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17].
ومع هذا كله علينا أن نرجع إلى التفاسير لفهم آية لا نستطيع فهمها، أو لتصحيح مفهوم خاطئ، أو لفتح آفاق جديدة أمام عقولنا، أو لمعرفة حكم شرعي دلت عليه الآيات .. فلا بيصح لنا أن نستنبط الأحكام الشرعية مباشرة من القرآن مهما بلغت درجة انشغالنا أو تأثرنا به طالما لم نستكمل الأدوات اللازمة لذلك من علوم شرعية كثيرة بينهما العلماء في حديثهم عن شروط المفسر للقرآن.
ولقد أجمل الإمام حسن البنا - رحمه الله - الكثير من معينات الفهم لكتاب الله بما في ذلك التفسير في إجابته عن سؤال أحد الأشخاص.
يقول رحمه الله: فلقد سألني أحد الإخوان عن أفضل التفاسير، وأقرب طرق الفهم لكتاب الله تبارك وتعالى؟
فكان جوابي على سؤاله هذا هذه الكلمة: (قلبك) فقلب المؤمن لا شك هو أفضل التفاسير لكتاب الله تبارك وتعالى. وأقرب طرائق الفهم أن يقرأ بتدبر وخشوع، وأن يستلهم الله الرشد والسداد، ويجمع شوارد فكره حين التلاوة، وأن يُلم مع ذلك بالسيرة النبوية المطهرة، ويعني بنوع خاص بأسباب النزول وارتباطها بمواضعها من هذه السيرة، فسيجد في ذلك أكبر العون على الفهم الصحيح السليم.
وإذا قرأ في كتب التفسير بعد ذلك، فللوقوف على معنى لفظ دق عليه، أو تركيب خفي أمامه معناه، أو استزادة من ثقافة تعينه على الفهم الصحيح لكتاب الله. فهي مساعدات على الفهم، والفهم بعد ذلك إشراق يقدح ضوؤه في صمصم القلب .. ولاشك أن من أخذ بهذه الطريقة سيجد أثرها بعد حين في نفسه ملكة تجعل الفهم من سجيته ونورا يستضيء به في دنياه وآخرته إن شاء الله (?).
من أهم أسباب فهم القرآن والتفاعل معه والشعور بأننا المخاطبون به: الحركة وبذل الجهد بين الناس لتبليغ دين الله، والعمل على إقامة شرعه، مع ما في ذلك من صعوبات ومحن.