ومنها أيضا: الاستماع إلى المواعظ والقراءة في كتب الرقائق كـ «التوهم» للحارث بن أسد المحاسبي، و «بحر الدموع، صفة الصفوة، وبستان الواعظين» لابن الجوزي، و «الداء والدواء» لابن القيم (?).
وبالمداومة على هذه الوسائل وغيرها ترق القلوب فينزل عليها القرآن نزوله الصحيح فتزداد به تذكرا وخشوعا.
قال تعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأنعام: 51].
تدبر القرآن، والنظر في معانيه، من شانه أن يملأ القلب بمعاني العبودية والمعارف الإلهية، فهي تعرفنا بالله عز وجل وبحقوقه علينا، وتورث في القلب ما تستوجبه هذه المعرفة من تعظيم ومهابة وحب، وخوف ورجاء، وثقة، وطمانينة به سبحانه، وتدفعنا إلى الإنابة والتوبة إليه، ودوام التوكل عليه ..
ويعرفنا القرآن كذلك بأنفسنا، وبمدى ضعفها، وفقرها الذاتي والمطلق لله عز وجل في كل طرفة عين، وينبهنا على ضرورة الحذر من الشيطان، وأهمية الاستعاذة بالله من شره، وغير ذلك من جوانب الهداية القرآنية.
وبعد أن يمتلئ القلب بكل هذه المعاني والمعارف متى سيُخرجها؟ وكيف يعبر عنها؟
لابد إذن من وسيلة عملية تساعد العبد على استفراغ هذه المعاني، ومدلولاتها من القلب .. وما من وسيلة أعظم من الصلاة، وأفضل صلاة بعد المكتوبة قيام الليل، فهو مركبة السائرين، تقربهم، وتدنيهم من حبيبهم ومولاهم.
قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79].
ففي القيام نقرأ القرآن، ونعيش مع معانيه، ونردد الآية التي تؤثر فينا، وفي الركوع نسبح الله ونثني عليه، وفي السجود نحمده سبحانه ونمجده ونتذلل له، ونريه ذل مقامنا وانكسارنا بين يديه، وافتقارنا الماس إليه.
نستغفره من ذنوبنا وتقصيرنا في القيام بحقوقه، ونسأله من خيري الدنيا والآخرة، ونفضي إليه بمدى شوقنا إلى لقائه، ونقدم له طلباتنا، ونشكو له همومنا.
إنها لحظات رائعة، تلك اللحظات التي يناجي فيها العبد مولاه وحبيبه، ويستشعر فيها بالقرب منه والأنس به، وأنه ليس مقطوع النسب، فله مولى يحميه، وملك يؤويه، وكافٍ يكفيه شر ما أهمه وأغمه.
ما أجملها من لحظات وأنت تكتب رسائلك إلى مولاك بدموعك، وتنتظر منه الإجابة.
ومما لاشك فيه أنه مما يعين على استثارة هذه المشاعر الفياضة تجاه المولى عز وجل طول القيام بالقرآن، وإجمال النظر في معانيه ليكون السجود معبرا عما تأثر به القلب، فلنحرص على القيام كل ليلة، مهما كانت شواغلنا، ولا بأس من القراءة في المصحف، فلقد أجاز العلماء ذلك في صلاة التطوع.