صورتهم التي تعرض على أنظار الناس هي الصورة النقية الصادقة التي كانوا عليها، فتحس القدوة بهم, وتطمئن النفوس إلى الخير الذي ساقه الله للبشر على أيديهم، وقد اعتبر في التشريع الإسلامي أن الطعن فيهم طعن في الدين الذي هم رواته، وتشويه سيرتهم تشويه للأمانة التي حملوها, وتشكيك في جميع الأسس التي قام عليها كيان التشريع في هذه الملة الحنيفية السمحة، وأول نتائجه حرمان شباب الجيل، وكل جيل بعده، من القدوة الصالحة التي مَنَّ الله بها على المسلمين؛ ليتأسوا بها، ويواصلوا حمل أمانات الإسلام على آثارها، ولا يكون ذلك إلا إذا ألَمُّوا بحسناتهم، وعرفوا كريم سجاياهم، وأدركوا أن الذين شوهوا تلك الحسنات, وصوروا تلك السجايا بغير صورتها، إنما أرادوا أن يسيئوا إلى الإسلام نفسه بالإساءة إلى أهله الأولين، وقد آن لنا أن ننتبه من هذه الغفلة فنعرف لسلفنا أقدارهم؛ لنسير في حاضرنا على هدًى ونور من سيرتهم الصحيحة وسريرتهم النقية الطاهرة.
وهذا الكتاب الذي ألفه عالم من كبار أئمة المسلمين؛ بيانًا لما كان عليه أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صفات الكمال, وإدحاضًا لما ألصق بهم وبأعوانهم من التابعين لهم بإحسان، يصلح على صغره لأن يكون صيحة من صيحات الحق, توقظ الشباب المسلم إلى هذه الدسيسة التي دسها عليهم أعداء الصحابة ومبغضوهم؛ ليتخذوها نموذجًا لأمثالها من الدسائس، فيتفرغ الموفقون إلى الخير منهم لدراسة حقيقة التاريخ الإسلامي واكتشاف الصفات النبيلة في رجاله، فيعلموا أن الله عز وجل قد كافأهم عليها بالمعجزات التي تمت على أيديهم وأيدي أعوانهم في إحداث أعظم انقلاب عرفه تاريخ الإنسانية، ولو كان الصحابة والتابعون بالصورة التي صورهم بها أعداؤهم ومبغضوهم, لكان من غير المعقول أن تتم على أيديهم تلك الفتوح، وأن تستجيب لدعوتهم الأمم بالدخول في دين الله أفواجًا.
والقاضي أبو بكر ابن العربي مؤلف "العواصم من القواصم" إمام من أئمة المسلمين، ويعتبره فقهاء مذهب الإمام مالك أحد أئمتهم المقتدى بأحكامهم، وهو من شيوخ القاضي عياض مؤلف كتاب "الشفا في التعريف بحقوق المصطفى"، ومن شيوخ ابن رشد العالم الفقيه والد أبي الوليد