خلقًا آخر يعيش للحق والخير، ويجاهد الباطل والشر، حتى تعرف الإنسانية طريقها الحقيقي إلى السعادة، وهذه الشموس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تتفاوت أقدارها، وتتباين في أنواع فضائلها، إلا أنها كلها كانت من الفضائل في مرتقى درجاتها, وإذا بدأ المشتغلون بتاريخ الإسلام من أفاضل المسلمين في تمييز الأصيل عن الدخيل من سيرة هؤلاء الأفاضل العظماء، فإنهم ستأخذهم الدهشة لما اخترعه إخوان أبي لؤلؤة، وتلاميذه عبد الله بن سبأ، والمجوس الذين عجزوا عن مقاومة الإسلام وجهًا لوجه في قتال شريف، فادعوا الإسلام كذبًا، ودخلوا قلعته مع جنوده خلسة، وقاتلوهم بسلاح "التقية", بعد أن حولوا مدلولها إلى النفاق، فأدخلوا في الإسلام ما ليس منه، وألصقوا بسيرة رجاله ما لم يكن فيها, ولا من سجية أهلها، وبهذا تحولت أعظم رسالات الله وأكملها إلى طريقة من الخمول والعطالة والجمود كان من حقها أن تقتل الإسلام والمسملين قتلًا، لولا قوة الحيوية الخارقة التي في الإسلام، وهي التي يرجى -إذا رجعنا إلينا، وجردناها من الطوارئ عليها، وخلصنا سيرة رجالها مما شيبت به، وسرنا في طريقهم مخلصين- أن نعود مسلمين من ذلك الطراز الأول كما كان في الواقع، لا كما أراد مبغضوا الصحابة والتابعين لهم بإحسان أن يعرضوه على الناس.
ونحن بتقديمنا هذه الحقائق من قلم الإمام ابن العربي، أو من النصوص الأصلية التي علقنا بها عليها، إنما أردنا عكس ما يريد المتعرضون لهذه البحوث من ترديد خلافات عفى عليها الزمن، والصحابة كانوا أسمى أخلاقًا, وأصدق إخلاصًا لله, وترفعا عن خسائس الدنيا من أن يختلفوا للدنيا، لكن كان في عصرهم من الأيدي الخبيثة التي عملت على إيجاد الخلاف وتوسيعه، مثل الأيدي الخبيثة التي جاءت فيما بعد فصورت الوقائع بغير صورتها، ولما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هم قدوتنا في ديننا، وهم حملة الكتاب الإلهي والسنة المحمدية إلى الذين حملوا عنهم أماناتها حتى وصلت إلينا، فإن من حق هذه الأمانات على أمثالنا أن ندرأ عن سيرة حفظتها الأولين كل ما ألصق بهم من إفك ظلمًا وعدوانًا؛ لتكون