وقد كان أول من سارع إلى القيام بهذا الواجب العلامة القاضي أبو بكر ابن العربي رحمه الله تعالى في كتابه العظيم: "العواصم من القواصم, في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي، وتبرئتهم مما نسبه إليهم الملاحدة والمفسدون والمضللون".
وقد كشف في هذا الكتاب عن نور الحق، وخذل الباطل، فإذا هو زاهق, وأضاء المصباح بعدما كاد يخبو.
فإلى العالم الراقد في جدثه, الهانئ بمضجعه, تحفله مسحة من النور الإلهي نهدي غاديات من الدعوات، ونستمطر وابلًا من الرحمات، فقد كان بكتابه "العواصم من القواصم" كالبدر طلع علينا على خابط ليل ضل السبيل وخانه الدليل، وكالغيث أصاب أرضًا قابلة, فأنبتت من كل زوج بهيج..
والعجب من كثير من علماء المسلمين أنهم نسوا كتاب "العواصم من القواصم"*، فجعل الجيل المسلم الحقيقة التي تذبح على مائدة الخونة والمتآمرين على الإسلام؛ ليضللوه وينفروه من سيرة الجيل المثالي؛ خشية أن يقتدي به, ويحلِّق كما حلَّق سلفه من قبل في ذر المجد والعظمة, فيعيد سيرة الإسلام الأولى.
لهذا كله رأينا أن نتحف بهذا الكتاب العظيم القراء؛ ليصحح الكثيرون منهم ما تلقوه من معلومات خاطئة، آملين أن يضعوه بين أيدي أبنائهم وبناتهم، لينجوا من الأفكار الخاطئة التي علقت في أذهانهم بسب الكتب التي يتداولونها، والدروس التي يتلقونها، فيتخذوا من سيرة الصحابة مثلًا عاليًا يحتذونه، وشحنة، بل شحنات قوية تدفع بهم إلى الأمام, إلى آفاق العظمة والمجد والسؤدد، وإلى التشوق إلى حياة البطولة والجهاد والشوق لرائحة الجنة.