وهي أخبث ما صنع. وفيها أو من أجلها قال خلف الأحمر: أشد الهجاء أعفه وأصدقه، وقال مرة أخرى: ما عف لفظه وصدق معناه، ومن كلام صاحب الوساطة: فأما الهجو فأبلغه ما خرج مخرج التهزل والتهافت، وما اعترض بين التصريح والتعريض، وما قربت معانيه، وسهل حفظه، وأسرع علوقه بالقلب ولصوقه بالنفس، فأما القذف والإفحاش فسباب محض، وليس للشاعر فيه إلا إقامة الوزن.
ومما يدل على صحة ما قاله صاحب الوساطة وحسن ما ذهب إليه إعجاب الحذاق من العلماء وفرسان الكلام بقول زهير في تشككه وتهزله وتجاهله فيما يعلم:
وما أدري وسوف إخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء
فإن تكن النساء مخبئات ... فحق لكل محصنة هداء
وإن هذا عندهم من أشد الهجاء وأمضه.
ولما قدم النابغة بعد وقعة حسي سأل بني ذبيان: ما قلتم لعامر بن الطفيل وما قال لكم؟ فأنشدوه، فقال: أفحشتم على الرجل وهو شريف لا يقال له مثل ذلك، ولكني سأقول، ثم قال:
فإن يك عامر قد قال جهلاً ... فإن مطية الجهل السباب
فكن كأبيك أو كأبي براء ... تصادفك الحكومة والصواب
فلا يذهب بلبك طائشات ... من الخيلاء ليس لهن باب