يروي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: خير الهجاء ما تنشده العذراء في خدرها فلا يقبح بمثلها، نحو قول أوس:
إذا ناقة شدت برجل ونمرق ... إلى حيكم بعدي فضل ضلالها
واختار أبو العباس قول جرير:
لو أن تغلب جمعت أحسابها ... يوم التفاخر لم تزن مثقالا
ومثل قوله:
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا
وبين الاختيارين تناسب في عفة المذهب، غير أن بيت جرير الثاني أشد هجاء لما فيه من التفضيل، فقد حكى محمد بن سلام الجمحي عن يونس بن حبيب أنه قال: أشد الهجاء الهجاء بالتفضيل، وهو الإقذاع عندهم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من قال في الإسلام هجاء مقذعاً فلسانه هدر " ولما أطلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه من حبسه إياه بسبب هجائه الزبرقان بن بدر قال له: إياك والهجاء المقذع، قال:
وما المقذع يا أمير المؤمنين؟ قال: المقذع أن تقول هؤلاء أفضل من هؤلاء وأشرف، وتبني شعراً على مدح لقوم وذم لمن تعاديهم، فقال: أنت والله يا أمير المؤمنين أعلم مني بمذاهب الشعر، ولكن حباني هؤلاء فمدحتهم وحرمني هؤلاء فذكرت حرمانهم ولم أنل من أعراضهم شيئاً، وصرفت مدحي إلى من أراده ورغبت به عمن كرهه وزهد فيه، يريد بذلك قصيدته المهموزة التي يقول فيها:
وآنيت العشاء إلى سهيل ... أو الشعرى فطال بي الإناء