سهلها عند الناس، وجسرهم عليها. على أن مسلماً أسهل شعراً من حبيب، وأقل تكلفاً، وهو أول من تكلف البديع من المولدين، وأخذ نفسه بالصنعة، وأكثر منها. ولم يكن في الأشعار المحدثة قبل مسلم صريع الغواني إلا النبذ اليسيرة، وهو زهير المولدين: كان يبطئ في صنعته ويجيدها.
وقالوا: أول من فتق البديع من المحدثين بشار بن برد، وابن هرمة، وهو ساقة العرب وآخر من يستشهد بشعره. ثم أتبعهما مقتدياً بهما كلثوم بن عمرو العتابي، ومنصور النمري، ومسلم بن الوليد، وأبو نواس. واتبع هؤلاء حبيب الطائي، والوليد البحتري، وعبد الله بن المعتز؛ فانتهى علم البديع والصنعة إليه، وختم به. وشبه قوم أبا نواس بالنابغة لما اجتمع له من الجزالة مع الرشاقة، وحسن الديباجة، والمعرفة بمدح الملوك. وأما بشار فقد شبهوه بامرئ القيس؛ لتقدمه على المولدين وأخذهم عنه، ومن كلامهم: بشار أبو المحدثين.
وسمعت أبا عبد الله غير مرة يقول: إنما سمي الأعشى صناجة العرب لأنه أول من ذكر الصنج في شعره. قال: ويقال: بل سمي صناجة لقوة طبعه، وحلية شعره، يخيل لك إذا أنشدته أن آخر ينشد معك. ومثله من المولدين بشار بن برد، تنشد أقصر شعره عروضاً وألينه كلاماً فتجد له في نفسك هزة وجلبة من قوة الطبع؛ وقد أشبهه تصرفاً وضرباً في الشعر وكثرة عروض مدحاً وهجاء وافتخاراً وتطويلاً. انقضى كلام أبي عبد الله ورجعنا إلى القول في الطبع والتصنيع.
ولسنا ندفع أن البيت إذا وقع مطبوعاً في غاية الجودة ثم وقع في معناه بيت مصنوع في نهاية الحسن لن تؤثر فيه الكلفة ولا ظهر عليه التعمل كان المصنوع أفضلهما، وإلا أنه إذا توالى ذلك وكثر لم يجز البتة أن يكون طبعاً واتفاقاً؛ إذ ليس ذلك في طباع البشر. وسبيل الحاذق بهذه الصناعة إذا غلب عليه حب التصنيع أن يترك للطبع مجالاً يتسع فيه، وقيل: إذا كان الشاعر