مصنعاً بان جيده من سائر شعره: كأبي تمام؛ فصار محصوراً معروفاً بأعيانه، وإذا كان الطبع غالباً عليه لم يبن جيده كل البينونة، وكان قريباً من قريب: كالبحتري ومن شاكله. وقد نص ابن الرومي في بعض تسطيراته على محمد بن أبي حكيم الشاعر حين عاب عليه قوله في الفرس من قصيدة رثى بها عبد الله بن طاهر:
فله شهامة سودنيق باكر ... وحوافر حفر ورأس صنتع
وذكر قول حبيب:
بحوافر حفر وصلب صلب
فحفل به، واعتذر له، وخرج التخاريج الحسان، وذكر أن الحافر المقعب ونحوهما أشرف في اللفظ من الحافر الأحفر، إلا أن الطائي عنده كان يطلب المعنى ولا يبالي باللفظ، حتى لو تم له المعنى بلفظة نبطية لأتى بها، والذي أراه أن ابن الرومي أبصر بحبيب وغيره منا، وأن التسليم له والرجوع إليه أحزم، غير أنني لو شئت أن أقول ولست راداً عليه، ولا معترضاً بين يديه إن المعنى الذي أراده وأشار إليه من جهة الطائي إنما هو معنى الصنعة كالتطبيق والتجنيس وما أشبههما، لا معنى الكلام الذي هو روحه، وإن اللفظ الذي ذكر أنه لا يبالي به إنما هو فصيح الكلام ومستعمله، ويدلك على صحة ما ادعيته على ابن الرومي قوله " إن الحافر الوأب والمقعب أشرف في اللفظ من الحافر الأحفر "؛ فكلامه راجع إلى ما قلته في الطائي، غير مخالف له، وإن كان في الظاهر على خلافه؛ لينساغ ذلك، إلا أن أكثر الناس على ما قال، وإنما هذا معرض للكلام، لا مخالفة.