كرُدودِ الأشعرية على المعتزلةِ، والرُّدودِ على الفَلاسِفة.
5 - كثرةُ الموافقينَ لهم على مَرّ الزَّمان.
هذه أهمُّ الأسباب التي اغترَّ بها كثيرٌ من الناس، فهوّنوا من بدَع هؤلاء، بل إنَّهم جعَلوها ستْرًا يسترونَ به فضائحَ أهْلِ البدَع، وغفلَ هؤلاء عن كَوْنِ الضَّلالِ في الاعتقادِ أعْظَمَ الضَّلالِ، وقد كشَفْنا لكَ في قضيةٍ واحدةٍ، وهي قضية (الكلام) عن أباطيلَ مُذْهلةٍ، وضلالاتٍ مُهوّلةٍ.
وهذه الأسبابُ التي ذكَرْنا يُعَدُّ أكثرُها حسَنات لهؤلاء المبتدعةِ، لا نَبْخَسُهم أشياءَهم، وربُّنا تعالى أمَرَ بالعَدْل في الحُكْم والقَوْل، فصاحبُ البِدْعَة قد يكونُ فاضلًا لمَعانٍ من الفَضْل فيه، ولكنْ لكَوْنِ ما زلَّ به عَظيمًا -بغَضّ النَّظَر عن قَصْدِهِ ومُرَادِهِ- لتعلُّقهِ بأصولِ الدِّين، وجبَ التنبيهُ على خَطَرِهِ نُصْحًا للأمَّةِ، لئلَّا يتضرَّرَ الناسُ ببدْعَتهِ، خاصَّةً إذا كانَ من ذَوي الفَضائل المَشهورةِ والخِصال المَحمودة، لأنَّ تأثُّرَ النَّاس بِمَن هذا وصفُه أشَدُّ من غيرهِ، ويبقى قصْدُهُ ومُرادُه فيما بينه وبينَ الله تعالى.
وهذه طريقةُ السَّلَف، قال البَغَويُّ رحمه الله: "وقد مضَت الصَّحابةُ، والتابعونَ، وأتباعُهم، وعلماءُ السُّنَّة، على هذا مُجْمِعينَ، متَّفقينَ على مُعاداةِ أهْلِ البِدْعَةِ ومُهاجَرَتِهم" (?).
ومَن طالَعَ كتبَ تراجم الرُّواة ثَبَتَ له صحِّةُ ذلك.
فلا يَجوزُ للمُسلِم أنْ يُهَوِّنَ من شَأنِ البدَع، وإنْ وقعَتْ من فاضلٍ، فإنَّ ذلكَ مُنافٍ لِما أوجَبَ الله تعالى من النَّصيحةِ، ومُخالِفٌ لمَنْهج السَّلَف