اللاحقة، وهذا متفق مع قواعد الشرع وكلام الفقهاء، ولم ينصوا عليه -فيما أعلم-، وهذا مقتضى كون الهبة تمليكًا في المذاهب الأربعة، كما سبق في التعريف، وبهذا يُعلم خطأ العبارة الشائعة (الهدية لا تهدى ولا تباع).
الأدلة:
الدليل الأول: عن سهل - رضي الله عنه - أن امرأة جاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - ببردة منسوجة فيها حاشيتها ... قالت: نسجتُها بيدي فجئت لأَكْسُوَكَها. فأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - محتاجًا إليها فخرج إلينا وإنها إزاره، فحسَّنها فلانٌ فقال: اُكسنيها، ما أحسنها. [وفي رواية قال: «نعم» فجلس ما شاء الله أن يجلس ثم رجع فطواها وأرسل بها إليه] قال القوم: ما أحسنتَ، لبسها النبي - صلى الله عليه وسلم - محتاجًا إليها ثم سألته وعلمت أنه لا يرد. قال: إني والله ما سألته لألبسه، إنما سألته لتكون كفني. قال سهل: فكانت كفنه (?).
وجه الاستدلال: أن هذه البردة وُهبت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم وهبها الرجلَ.
الدليل الثاني: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: (رأى عمر حلة على رجل تباع ... فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها بحللٍ فأرسل إلى عمر منها بحلة، فقال عمر: كيف ألبسها وقد قلت فيها ما قلت؟ قال: «إني لم أكسكها لتلبسها، تبيعها أو تكسوها» فأرسل بها عمر إلى أخٍ له من أهل مكة قبل أن يسلم (?).
وجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهب الحلة لعمر - رضي الله عنه - فوهبها عمر لأخيه، ومن وجه آخر: يحتمل أنها وُهبت للنبي - صلى الله عليه وسلم - فوهبها لعمر - رضي الله عنه -.
الدليل الثالث: عن علي- رضي الله عنه - قال: أهدى إليّ النبي - صلى الله عليه وسلم - حلة سِيَراء فلبستها فرأيت الغضب في وجهه فشققتها بين نسائي (?).
وجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهب الحلة لعلي - رضي الله عنه - فوهبها علي لنسائه.