الدليل الرابع: عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كانت في بريرة ثلاث قضيات كان الناس يتصدقون عليها وتهدي لنا [وفي رواية: فتهدي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -] فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «هو عليها صدقة ولكم هدية فكلوه» (?).
وجه الاستدلال: يتم بمقدمتين:
الأولى: أن الصدقة لابتغاء الثواب، والهبة أو الهدية للتودد والإكرام، وكلاهما تمليك عين بلا عوض (?)؛ لذا قال في "الذخيرة": (لا تفترق الصدقة والهبة إلا في حكمين ... وإذا تقرر اشتراك الصدقة والهبة بما عدا هذين الحكمين فليكن الكلام عليهما واحدًا)، وفي "الروض المربع": (والصدقة -وهي ما قُصد به ثواب الآخرة- والهدية -هي ما قُصد به إكرامًا وتوددًا ونحوه- نوعان من الهبة حكمهما حكمها في ما تقدم) (?).
والثانية: أن بريرة - رضي الله عنها - تُصدِّق عليها، والصدقة في معنى الهبة، فوهبت للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
الدليل الخامس: عن أم عطية - رضي الله عنها - قالت: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على عائشة - رضي الله عنها - فقال: «عندكم شيء» قالت: لا، إلا شيء بعثت به أم عطية من الشاة التي بعثْتَ إليها من الصدقة. قال: «إنها قد بلغت محلها» (?).
وجه الاستدلال: كالدليل السابق.
الدليل السادس: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أُتي بطعام سأل عنه أهدية أم صدقة فإن قيل: صدقة. قال لأصحابه: «كلوا» ولم يأكل، وإن قيل: هدية. ضرب بيده - صلى الله عليه وسلم - فأكل معهم (?).
وجه الاستدلال: أن هذه الهدية أهديت للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأهدى منها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه، فإنهم يأكلون معه؛ لذا جاء في رواية: (فأمر أصحابه فأكلوا وأكل معهم) (?).