يُعْدَلُ عَنْ الْأَصْلِ وَلَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ حَتَّى يُسَوِّيَ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ فَتَأَمَّلْ.

وَقَدْ أَفْتَى بِنَظِيرِ مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْغَزِّيُّ السَّائِحَانِيُّ وَاسْتَشْهَدَ بِمَا فِي الْخَيْرِيَّةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْخَيْرِيَّةِ تَنْبِيهًا عَلَى فَائِدَةٍ سَنِيَّةٍ وَهِيَ أَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِينَ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ مَعْنَاهُ الْمُفَاضَلَةُ لَا الْقِسْمَةُ بِالسَّوِيَّةِ وَبِهِ أَفْتَى الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَيْضًا وَأَفْتَى بِهِ أَيْضًا الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي فَتَاوَاهُ وَكَذَا شَيْخُ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيُّ وَكَذَا جَدُّ الْمُؤَلِّفِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَفَنْدِي كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّهِ وَكَذَا أَفْتَى بِهِ غَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةٍ مُعْتَبَرِينَ مِنْهُمْ الْعَلَّامَةُ الشِّهَابُ أَحْمَدُ الشَّلَبِيُّ الْحَنَفِيُّ وَالْعَلَّامَةُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ الشَّافِعِيُّ وَالشِّهَابُ أَحْمَدُ الرَّمْلِيُّ الْكَبِيرُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ الَّذِي لَا يَكَادُونَ يَفْهَمُونَ غَيْرَهُ وَلِذَا يُرْدِفُونَ هَذَا اللَّفْظَ فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ بِقَوْلِهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ تَصْرِيحًا بِمَعْنَاهُ الْمُرَادِ وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ الْقِسْمَةَ بِالسَّوِيَّةِ لَكَانَ تَنَاقُضًا وَلَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يُرْدِفُوهُ بِقَوْلِهِمْ سَوِيَّةً بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُتَعَارَفْ وَلَمْ يُسْمَعْ أَصْلًا بَلْ الْمُتَعَارَفُ أَنَّ الْقِسْمَةَ الشَّرْعِيَّةَ مَعْنَاهَا الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ صَرَّحَ بَعْدَهَا بِأَنَّهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَوْ لَا وَمَنْ جَهِلَ ذَلِكَ فَلْيَسْأَلْ الْعَوَامَّ فَضْلًا عَنْ الْخَوَاصِّ.

وَقَدْ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فِي قَاعِدَةِ الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ نَقْلًا عَنْ وَقْفِ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ أَلْفَاظَ الْوَاقِفِينَ تُبْنَى عَلَى عُرْفِهِمْ اهـ فَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الْمِنْقَارِ وَأَلَّفَ فِيهِ رِسَالَةً مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ الْقِسْمَةُ بِالسَّوِيَّةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَإِنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ بَعْضُ الْأَخْيَارِ وَأَقَرَّهُ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَقَدْ أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي رِسَالَةٍ مُهِمَّةٍ تَلْزَمُ مُطَالَعَتُهَا لِكُلِّ ذِي هِمَّةٍ فَإِنَّ فِيهَا مِنْ الْكَشْفِ عَنْ هَذِهِ الْمُدْلَهِمَّةِ مَا يُزِيحُ عَنْ الْفُؤَادِ غَمَّهُ وَهَمَّهُ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ.

(سُئِلَ) فِيمَا إذَا أَنْشَأَ وَاقِفٌ وَقْفَهُ عَلَى نَفْسِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ الثَّلَاثَةِ مُحَمَّدٍ وَمَحْمُودٍ وَمَحْفُوظٍ وَعَلَى مَنْ سَيَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ الذُّكُورِ سَوِيَّةً بَيْنَهُمْ ثُمَّ مِنْ بَعْدِ كُلٍّ مِنْهُمْ يَعُودُ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ عَلَى أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بَيْنَهُمْ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ مُدَّةَ حَيَاةِ الْإِنَاثِ وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْإِنَاثِ عَادَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ عَلَى إخْوَتِهَا وَأَخَوَاتِهَا دُونَ أَوْلَادِهَا ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ كَذَلِكَ ثُمَّ عَلَى أَنْسَالِهِ وَأَعْقَابِهِ وَذُرِّيَّاتِهِ نَظِيرُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ عَنْ وَلَدٍ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ يَعُودُ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ إلَى وَلَدِهِ أَوْ الْأَسْفَلِ مِنْهُ وَعَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا أَسْفَلَ مِنْهُ يَعُودُ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ إلَى مَنْ هُوَ مَعَهُ فِي دَرَجَتِهِ وَذَوِي طَبَقَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ يُقَدَّمُ فِي ذَلِكَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْهُمْ إلَى الْمُتَوَفَّى إلَخْ فَمَاتَ الْوَاقِفُ ثُمَّ مَاتَ أَوْلَادُهُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورُونَ عَنْ أَوْلَادٍ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ ثُمَّ مَاتَ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ عَنْ أَوْلَادٍ وَذُرِّيَّةٍ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ فَهَلْ يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْإِنَاثِ مَعَ أَوْلَادِ الذُّكُورِ فِي هَذَا الْوَقْفِ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ آخِرًا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ إلَخْ أَوْ لَا يَدْخُلُونَ بَيِّنُوا لَنَا الْجَوَابَ بِمَا يَظْهَرُ لَكُمْ مِنْ الصَّوَابِ؟

(الْجَوَابُ) : الْحَمْدُ لِلَّهِ تَعَالَى مُقْتَضَى مَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ هَذَا الشَّرْطِ أَنَّ أَوْلَادَ الْإِنَاثِ يَدْخُلُونَ لِأَنَّ الْوَاقِفَ عَمَّمَ آخِرًا فَقَالَ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ لِمَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إذَا ذَكِرَ الْوَاقِفُ عِبَارَتَيْنِ مُتَنَافِيَتَيْنِ فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُحْمَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى حَالٍ وَجَبَ الْمَصِير إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ يُعْمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا وَيَكُونُ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ وَقَالُوا أَيْضًا إذَا تَعَارَضَ عِبَارَتَانِ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ إحْدَاهُمَا تَقْتَضِي حِرْمَانَ بَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَالْأُخْرَى تَقْتَضِي عَدَمَهُ فَالْأَقْرَبُ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ أَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ حِرْمَانَ أَحَدٍ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمْ فَيَتَرَجَّحُ الْكَلَامُ الثَّانِي لِأَنَّ الْحِرْمَانَ لَيْسَ مِنْ مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ غَالِبًا فَكَأَنَّ الْوَاقِفَ رَجَعَ عَنْ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ لِمَا لَزِمَ مِنْهُ حِرْمَانُ بَعْضِ ذُرِّيَّتِهِ فَعَمَّمَ بِقَوْلِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015