عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ فَقَدْ نَصَّ أَوَّلًا فِي كَلَامِهِ عَلَى أَوْلَادِ الظُّهُورِ دُونَ أَوْلَادِ الْبُطُونِ ثُمَّ عَمَّمَ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ أَجْمَعِينَ فَيُعْمَلُ بِهِ لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ وَالْعَمَلُ يَكُونُ بِالْمُتَأَخِّرِ كَمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ فِي بَحْثِ الْعَامِّ.
وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ مِنْهُمْ رَاجِعٌ إلَى مَا تَقَدَّمَ الْمُؤَكَّدِ بِقَوْلِهِ أَجْمَعِينَ وَالْمُتَقَدِّمُ الذُّكُورُ وَبَنَاتُ الذُّكُورِ فَيَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَيْهِنَّ أَيْضًا فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَوْلَادُهُنَّ وَإِنْ أَرْجَعْنَا الضَّمِيرَ إلَى الذُّكُورِ فَقَطْ تَصْحِيحًا لِلْكَلَامَيْنِ فَيَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ فَبَقِيَ شَرْطَانِ مُتَنَاقِضَانِ فَيُعْمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا وَهُوَ إدْخَالُ أَوْلَادِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ جَمِيعًا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَجْمَعِينَ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا مَا أَجَابَ بِهِ الشَّيْخُ الْحَانُوتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَعْضِ فَتَاوِيهِ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا إنْ نَصَّ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ عَلَى أَوْلَادِ الظُّهُورِ دُونَ أَوْلَادِ الْبُطُونِ ثُمَّ عَمَّمَهُمْ بِالذُّرِّيَّةِ فَيُعْمَلُ بِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ وَالْعَمَلُ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ وَلِأَنَّ الْعَامَّ قَطْعِيٌّ يُعَارِض الْخَاصَّ عِنْدَنَا اهـ
وَيَشْهَدُ لِمَا ذَكَرْنَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِسْعَافِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى وَلَدِي لِصُلْبِي مَا دَامُوا أَحْيَاءً يَجْرِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ شَيْءٌ مِنْهَا إلَى غَيْرِهِمْ حَتَّى يَنْقَرِضُوا فَإِذَا انْقَرَضُوا تَكُونُ الْغَلَّةُ لِوَلَدِ وَلَدِي وَأَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَكُلَّمَا حَدَثَ الْمَوْتُ عَلَى وَلَدِي لِصُلُبِي كَانَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ ثُمَّ لِوَلَدِ وَلَدِهِ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا وَكُلُّ مَنْ مَاتَ مِنْ وَلَدِي أَوْ وَلَدِ وَلَدِي عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ رَاجِعًا إلَى أَصْلِ الْوَقْفِ وَجَارِيًا مَجْرَاهُ كَانَ الْوَقْفُ جَائِزًا وَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ لِمَا شَرَطَهُ ثُمَّ إذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ الصُّلْبِ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ إلَى وَلَدِهِ عَلَى مَا شَرَطَهُ ثَانِيًا مِنْ انْتِقَالِهِ إلَى وَلَدِ وَلَدِهِ وَانْتَسَخَ بِهِ قَوْلُهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ شَيْءٌ مِنْهَا إلَخْ لِكَوْنِهِ مُتَأَخِّرًا مُفَسِّرًا اهـ مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِسْعَافِ فِي بَابِ الْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِهِ وَهَذَا مَا ظَهَرَ لَنَا الْآنَ عَمَّا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ الْجَوَابِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. .
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا شَرَطَ وَاقِفٌ وَقْفَ أَهْلِيٍّ شُرُوطًا مِنْهَا أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَمَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا وَلَدِ وَلَدٍ وَلَا نَسْلٍ وَلَا عَقِبٍ عَادَ نَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَذَوِي طَبَقَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ إلَى الْمُتَوَفَّى ثُمَّ مَاتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ عَقِيمًا وَالْمَوْجُودُ بِنْتُ خَالَتِهِ وَأَوْلَادُ ابْنِ خَالَتِهِ وَعَادَ نَصِيبُهُ لِبِنْتِ خَالَتِهِ ثُمَّ مَاتَتْ بِنْتُ خَالَتِهِ عَنْ بِنْتَيْنِ وَآلَ نَصِيبُهَا الْأَصْلِيُّ وَالْآيِلُ إلَيْهِمَا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فَقَامَ أَوْلَادُ ابْنِ الْخَالَةِ يُعَارِضُونَ الْبِنْتَيْنِ فِي نَصِيبِ الرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى الْمَزْبُورِ الْآيِلِ لِأُمِّهِمَا زَاعِمِينَ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ بِمَوْتِهِ فَهَلْ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ وَلَا عِبْرَةَ بِزَعْمِهِمْ؟
(الْجَوَابُ) : نَعَمْ أَقُولُ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ شَيْءٌ أَصْلًا مِنْ النَّصِيبِ الْآيِلِ عَنْ الرَّجُلِ إلَى بِنْتِ خَالَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهَا وَإِنْ كَانَ أَوْلَادُ ابْنِ الْخَالَةِ مُسَاوِينَ لِهَاتَيْنِ الْبِنْتَيْنِ فِي الدَّرَجَةِ وَفِي الْأَقْرَبِيَّةِ إلَى الرَّجُلِ الْمُنْتَقِلِ عَنْهُ ذَلِكَ النَّصِيبُ لِأَنَّ مَا آلَ عَنْهُ إلَى بِنْتِ خَالَتِهِ صَارَ يُسَمَّى نَصِيبَهَا فَيُنْقَلُ مَعَ نَصِيبِهَا الْأَصْلِيِّ إلَى بِنْتَيْهَا وَيُشْكَلُ انْتِقَالُ مَا آلَ إلَيْهَا إلَى بِنْتَيْهَا بِمَا فِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ لِلْبِيرِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ مَا نَصُّهُ وَهَاهُنَا دَقِيقَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ النَّصِيبَ الْمُنْتَقِلَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْمُنْتَقِلُ عَنْهُ اسْتَحَقَّهُ بِنَفْسِهِ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ الْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الِابْنُ الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ نَصِيبُ أَبِيهِ لَا يَنْتَقِلُ هَذَا النَّصِيبُ إلَى ابْنِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَصِيبِ أَبِيهِ بَلْ نَصِيبُ جَدِّهِ وَنَصِيبُ أَبِيهِ هُوَ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ أَبُوهُ مِنْ الْوَقْفِ بِنَفْسِهِ فَتَأَمَّلْهُ فَقَدْ جَهِلَهُ الْكَثِيرُ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ اهـ.
لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ غَالِبَ الْأَنْصِبَاءِ فِي الْأَوْقَافِ الْمَشْرُوطِ فِيهَا انْتِقَالُ نَصِيبِ مَنْ مَاتَ إلَى وَلَدِهِ ثُمَّ إلَى وَلَدِ وَلَدِهِ إنَّمَا تَكُونُ بِطَرِيقِ الِانْتِقَالِ مِنْ الْأَبِ إلَى ابْنِهِ ثُمَّ مِنْهُ إلَى ابْنِ ابْنِهِ وَهَكَذَا مَا لَمْ تُنْقَضْ الْقِسْمَةُ بِانْقِرَاضِ