الباب الخامس والعشرون في تحقيق الفرق بين حمل المطلق على المقيد في الأمر والنهي، والخبر (في الثبوت)، والخبر في النفي، وبين أن يكون المطلق والمقيد كليًا، أو كلا، أو كلية.
فإن هذه الحقائق مختلفة الأحكام في حمل المطلق على المقيد، وقد وقعت التسوية بينها في كتب الأصول، والتسوية لا يعضدها الدليل في بعض المواطن. فأردت في هذا الباب بيان ما لا يكون من باب حمل المطلق على المقيد- وإن جعله منه الدليل الذي ذكروه- وهو أن العامل بالمقيد عامل بالدليلين، دليل الإطلاق ودليل التقييد.
ولا شك أن هذا الجمع بين الدليلين ميسر في الأمر والمأمور به كلي، نحو: اعتق رقبة، اعتق رقبة مؤمنة، فإن مفهوم قولنا: (رقبة) حاصل في قوله: (رقبة مؤمنة) فإن الثابت مع صفة، ثابت- بالضرورة- بالعامل، فقولنا: (رقبة مؤمنة) عامل بالدليلين.
وكذلك: خبر الثبوت، إذا كان مخبره كليًا، كقولنا: بعث الله في آخر الزمان رجلا للخلق كافة، ثم نقول: بعث الله تعالى رجلا نبيًا، فإن مفهوم الأول داخل في الثاني، ولا ينافي أحدهما الآخر، وكذلك: مررت اليوم برجل، مررت برجل صالح، لا يتنافيان، فإذا اعتقدنا أن الذي وقع به المرور هو الرجل الصالح، يكون قد أعملنا الدليلين.