والجحود, يزيد بالضعف على ما فعله النصارى واليهود.
ويستفاد من قوله: "لتركبن سنن من كان قبلكم" أن سنن أهل الكتاب التي ابتدعوها, والبدع التي اخترعوها, كلها خارجة من الشرع المقرر, والدين القيم المطهر, وكذلك جميع سنن المبتدعين ومناهج أهل الهواء والمشركين.
ويستفاد منه أيضا النهي عن التشبيه بأهل الجاهلية, وأنه ينبغي للمؤمن الموحد أن يجعل الخوف من الشرك نصب عينيه, وكذلك ينبغي له التفطن أنه إذا خفي هذا على الصحابة مع جلالة قدرهم وعلمهم وكذلك بنو إسرائيل, فينبغي التحرز عن أمثاله.
هذا وقد صرح في هذا الحديث الصحيح, بأن مراد السائلين على سبيل التلويح, والتبرك والاعتقاد, كما هو طريقة من قبلهم من الآباء والأجداد, ولم يصرحوا بغير ذلك في الطلبة, ولم يكن له سواه من رغبه, إذ لم يفصحوا بطلب الآلهة, كما أفصحت بذلك بنو إسرائيل.
وقد ساوى النبي صلى الله عليه وسلم بين الطلبتين, وجعلهما من واحد القبيل, ولم يراع صورة لفظ القيل, فقد ثبت بما قررناه, وتحقق مما سطرناه, أن معنى السر المراد, وحقيقته التي تقصد وتراد, هو اعتقاد القدرة على جلب النفع ودفع الضر عن الأنفس والأموال والأولاد, وهذه بعينها صفة الألوهية , التي اختصت بها الذات العلية, دون سائر البرية, الذي جعل الأرض مهادا, وأرسى الجبال أوتادا, وذرأ فيها جميع العباد, وانتظم بقدرته وحكمته أمر المعاد والمعاش, ولكن لا يبصر الحق من على أبصار بصيرته غواش, فالشمس تعمي أعين الخفاش, والنار يتهافت فيها الفراش, {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّل مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (الأنعام:110) فإذا كان هذا تغليظ النبي صلى الله عليه وسلم وتشديده, وزجره البليغ