عنه" (?) , وليس الأمر كما زعموا ولا المعنى كما فهموا, بل ليس الحكم كما جزموا به وحكموا, وإنما المراد المقصود, والمنهج المسدود الهجرة من مكة إلى المدينة بعد فتحها للمسلمين, وزوال المشركين, وإضاءة أرجائها بأنوار الدين, ورفع قواعد التوحيد, وقصم كل جبار عنيد؛ لأن الله تعالى قد بدل الحال, والمحذور فيها قد زال, والمهاجرة منها تؤدي إلى الإخلال بأم القرى والتعطيل, فسد بعد مضي تلك الحكمة ذلك السبيل.
وأما الهجرة من بلاد المشركين والكفار, وعدم السكنى معهم والاستقرار, إلى ما للمسلمين من الديار, حيث لا يمكن إقامة دين للموحد ولا إظهاره, ولا تعزيز للإسلام وانتصاره, فحكمها إلى الآن ثابت الوجوب والإلزام, مستمر على ممر السنين والأعوام, كما صرح بذلك الأئمة الأعلام, والآيات على ذلك دالة صريحة, والأحاديث ثابتة صحيحة.
قال الله جل جلاله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} (النساء:97) .
قال ابن كثير: "الآية دالة على وجوب الهجرة عامة, فكل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة, وليس متمكنا من إقامة دينه, فهو ظالم لنفسه مرتكب محرما بالإجماع, وقد روى أبو داود بسنده عن سمرة بن جندب رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من جامع المشرك أو سكن معه فإنه مثله (?) " (?) انتهى كلام ابن كثير في تفسيره.