شيء تنبشونه؟ فإنه كان رجلا صالحا مباركا كثير العبادة. قالوا لى: صحيح، غير أنا نحن الملائكة النقالة، ونحن ننقله إلى الحفرة التى خلق منها، فقال لهم: بالله عليكم، فالحفرة التى لى من أين هى؟ قالوا: هى بأرض حران، قال: فقلت: إنما جئت إلى هنا، حتى أموت بمكة، وأدفن بها. قالوا: إذا مت، نقلناك إلى الحفرة التى خلقت منها. فانتبهت مرعوبا، ثم تفكرت فى نفسى، قلت: إذا كان ولابد من أن ينقلونى، فدعنى أسافر إلى أهلى، وموت عندهم.
ذكره ابن فرحون فى كتابه «نصيحة المشاور» وذكر أنه كان من الأولياء والقدماء الذين ينفقون من الغيب، أكثر إقامته بمكة المشرفة، ثم انتقل إلى المدينة فأقام بها، وسكن بيتا فيه شبّاك إلى الحرم فى الحصن العتيق، وصادف غلاء عظيما وعدم التمر، حتى وصل صاعه الخمسين، ولا يوجد، وذلك فى سنة خمس وتسعين وستمائة، وكان يتصدق بالتمر البرنى على الناس، لا يعلم أحد من أين يأتى به، ولا من يشتريه له، لو أراد ذلك ما وجد لقلته وعدمه.
وذكر أن جماعة أخبروه عنه، أنه لما أقام بمكة أنفق على أهلها وضعفائها أموالا مستكثرة، فوقع خبره إلى الشريف ـ أظنه حميضة ـ فدخل عليه بيته على غفلة، فرحب به وأجلسه فى وسط بيته، وقدم إليه كسيرات وشيئا من مخللات، فقال له: ما أريد إلا أن أن ترينى ما فى بيتك، أو تعطينى ما يكفينى وحاشيتى. فقال له الشيخ: البيت بين يديك، والله ما أدخر عنك شيئا. فقام الشريف وأعوانه إلى البيت، وفتشوه وحفروه، فلم يجدوا فى بيته شيئا غير برانى المخلل، وشيئا لا يعبأ به، فتركوه وانصرفوا. ولم يزل مستمرا على ذلك الإنفاق، إلى أن توفى، رحمه الله.
وذكر أن الشيخ جمال الدين المطرى، قال: إن شيوخ مكة كانوا ينكرون عليه شيئا من أحواله، لأنه كان يطوف بالليل ومعه نساء مخدرات، وغير مخدرات، يعرفهن واحدة واحدة، وربما تكون امرأة لا يعرف أحد اسمها فيسميها، فيأخذ فى مؤانستهن، والكلام معهن، ولا يلتفت إلى كلام المنكرين.
ذكره البرزالى فى تاريخه، وذكر أنه كان رجلا صالحا، يسكن رباط رامشت بمكة، وبها توفى فى سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، صلّى عليه صلاة الغائب بجامع دمشق فى أول رمضان.