لأن المذهب لا تموت بموت أصحابها؛ ولهذا يعتد بها بعدهم في الإجماع والخلاف، ولأن موت الشاهد قبل الحكم لا يمنع الحكم بشهادته بخلاف فسقه.
الثالثة1: هل يجوز للعامي أن يتخير ويقلد أي مذهب شاء ليأخذ برخصه وعزائمه؟ قال الشيخ أبو إسحاق: ينظر إن كان منتسبا إلى مذهب معين بُني على أن العامي له مذهب أم لا وجهان، أصحهما عند القفال نعم فلا يجوز مخالفته، والثاني لا لأن المذهب لعارف الأدلة، فيجوز أن يستفتي من شاء من شافعي وحنفي وغيرهما، قال شيخ الإسلام النووي2 وغيره: ليس له أن يتبع أي مذهب شاء بمجرد التشهي والميل إلى ما وجد عليه آباءه، أي ونحوهم كأهل بلده، وليس له التمذهب بمذهب أحد من أئمة الصحابة وغيرهم من الأولين وإن كانوا أعلم وأعلا درجة ممن بعدهم؛ لأنهم لم يتفرغوا لتدوين العلم وضبط أصوله وفروعه لاشتغالهم بجهاد الكفار لإعلاء كلمة الإسلام، فليس لأحد منهم مذهب3 محرر، وإنما قام بذلك من جاء بعدهم من الأئمة الناخلين المهذبين لمذاهب الصحابة والتابعين، والقائمين بتمهيد أحكام الوقائع قبل وقوعها، الناهضين بإيضاح أصولها وفروعها كمالك وأبي حنيفة وغيرهما، ولما كان الشافعي4 قد تأخر عن هؤلاء الأئمة في العصر، ونظر في مذاهبهم ومذاهب من قبلهم نحو نظرهم في مذاهب من قبلهم، فسبرها وخبرها وانتقدها واختار راجحها، ووجد من قبله قد كفاه مؤنة التصوير والتأصيل فتفرع للاختيار والترجيح والتكميل والتنقيح، مع كمال معرفته وبراعته في العلوم وترجحه في