ذلك على من سبقه، ثم لم يوجد بعده من بلغ محله في ذلك، فكان مذهبه أولى المذاهب بالاتباع والتقليد1، وهذا مع ما فيه -رضي الله عنه- من الإنصاف والسلامة من القدح في أحد الأئمة، فمذهبه جلي واضح، إذا تأمله العامي وغيره منصفا قاده إلى اختيار مذهب الشافعي والتمذهب به2. انتهى ما قالوه.
وقولهم رحمهم الله: ثم لم يوجد بعده من بلغ محله في ذلك مما لا يمتري فيه ولا يماري فيه المنصف، وهذا ومن قواعده: إذا صح الحديث فهو مذهبي3، وفي رواية: فاضربوا بقولي الحائط4، وفي رواية عنه: إذا رأيتم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الثبت فاضربوا على قولي وارجعوا إلى الحديث وخذوا به فإنه قولي، وليست هذه القاعدة لأحد غيره، أما الحنفية والمالكية فلا يخرجون عن أقوال إمامهم ونُقُول أصحابهم قيد شبر، وأما الحنابلة فإنهم وإن أخذ مجتهد وهم كما ذكروا بأصح الأدلة فهم مقيدون برواية عن إمامهم توافقه، وإلا فلا يعدون ذلك من المذهب، بل اختيار من ذلك المجتهد، وأما الشافعي -رضي الله عنه- فيترك نصه الصريح لصحة الحديث، ويكون ما صح فيه الحديث مذهبه لقاعدته المقررة، وناهيك بها وحدها، ومن أشهر الأئمة بعده الإمام داود الظاهري والإمام أحمد -رضي الله عنهما- وهما من أتباعه وتلامذته بلا شك، وهما لم يصحبا الشافعي في مصر حين اتسع علمه وألف الكتب الجديدة التي هي مذهبه الآن، وإنما أخذا عنه الكتب القديمة، والإمام أحمد هو أحد رواة كتابه القديم المسمى بالحجة5، فهما لم ينظرا إلا في الكتب القديمة مع حسن اعتقادهما