والإيمان - بعد - قوة دافعة وطاقة مجمعة. فما تكاد حقيقته تستقر في القلب حتى تتحرك لتعمل، ولتحقق ذاتها في الواقع، ولتوائم بين صورتها المضمرة وصورتها الظاهرة. كما أنها تستولي على مصادر الحركة في الكائن البشري كلها، وتدفعها في الطريق ..
«ذلك سر قوة العقيدة في النفس، وسر قوة النفس بالعقيدة. سر تلك الخوارق التي صنعتها العقيدة في الأرض وما تزال في كل يوم تصنعها. الخوارق التي تغير وجه الحياة من يوم إلى يوم، وتدفع بالفرد وتدفع بالجماعة إلى التضحية بالعمر الفاني المحدود في سبيل الحياة الكبرى التي لا تفنى وتقف بالفرد القليل الضئيل أمام قوى السلطان وقوى المال وقوى الحديد والنار، فإذا هي كلها تنهزم أمام العقيدة الدافعة في روح فرد مؤمن. وما هو الفرد الفاني المحدود الذي هزم تلك القوى جميعا، ولكنها القوة الكبرى الهائلة التي استمدت منها تلك الروح، والينبوع المتفجر الذي لا ينضب ولا ينحسر ولا يضاعف» (?).
«تلك الخوارق التي تأتي بها العقيدة الدينية في حياة الأفراد وفي حياة الجماعات لا تقوم على خرافة غامضة، ولا تعتمد على التهاويل والرؤى. إنها تقوم على أسباب مدركة وعلى قواعد ثابتة. إن العقيدة الدينية فكرة كلية تربط الإنسان بقوى الكون الظاهرة والخفية، وتثبت روحه بالثقة والطمأنينة، وتمنحه القدرة على مواجهة القوى الزائلة والأوضاع الباطلة، بقوة اليقين في النصر، وقوة الثقة في اللّه. وهي تفسر للفرد علاقاته بما حوله من الناس والأحداث والأشياء، وتوضح له غايته واتجاهه وطريقه، وتجمع طاقاته وقواه كلها، وتدفعها في اتجاه. ومن هنا كذلك قوتها. قوة تجميع القوى والطاقات حول محور واحد، وتوجيهها في اتجاه واحد، تمضي إليه مستنيرة الهدف، في قوة، وفي ثقة، وفي يقين» (?).
ويضاعف قوتها أنها تمضي مع الخط الثابت الذي يمضي فيه الكون كله ظاهره وخافيه. وأن كل ما في الكون من قوى مكنونة تتجه اتجاها إيمانيا، فيلتقي بها المؤمن في طريقه، وينضم إلى زحفها الهائل لتغليب الحق على الباطل. مهما يكن للباطل من قوة ظاهرة لها في العيون