بريق! وصدق اللّه العظيم: «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا. قُلْ: لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ. بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ».فهي المنة الكبرى التي لا يملكها ولا يهبها إلا اللّه الكريم، لمن يعلم منه أنه يستحق هذا الفضل العظيم. وصدق اللّه العظيم. فماذا فقد من وجد الأنس بتلك الحقائق والمدركات وتلك المعاني والمشاعر؟ وعاش بها ومعها، وقطع رحلته على هذا الكوكب في ظلالها وعلى هداها؟ وماذا وجد من فقدها ولو تقلب في أعطاف النعيم. وهو يتمتع ويأكل كما تأكل الأنعام. والأنعام أهدى لأنها تعرف بفطرتها الإيمان وتهتدي به إلى بارئها الكريم؟ (?)
والذي يستوقف النظر هنا هو تذكيرهم بأن اللّه هو الذي أراد بهم هذا الخير، وهو الذي خلص قلوبهم من ذلك الشر: الكفر والفسوق والعصيان. وهو الذي جعلهم بهذا راشدين فضلا منه ونعمة. وأن ذلك كله كان عن علم منه وحكمة .. وفي تقرير هذه الحقيقة إيحاء لهم كذلك بالاستسلام لتوجيه اللّه وتدبيره، والاطمئنان إلى ما وراءه من خير عليهم وبركة، وترك الاقتراح والاستعجال والاندفاع فيما قد يظنونه خيرا لهم قبل أن يختار لهم اللّه. فاللّه يختار لهم الخير، ورسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فيهم، يأخذ بيدهم إلى هذا الخير. وهذا هو التوجيه المقصود في التعقيب.
وإن الإنسان ليعجل، وهو لا يدري ما وراء خطوته. وإن الإنسان ليقترح لنفسه ولغيره، وهو لا يعرف ما الخير وما الشر فيما يقترح. «وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا».ولو استسلم للّه، ودخل في السلم كافة، ورضي اختيار اللّه له، واطمأن إلى أن اختيار اللّه أفضل من اختياره، وأرحم له وأعود عليه بالخير. لاستراح وسكن. ولأمضى هذه الرحلة القصيرة على هذا الكوكب في طمأنينة ورضى .. ولكن هذا كذلك منة من اللّه وفضل يعطيه من يشاء. (?)